ساعة القُشلة من منظور بصري

ثقافة 2021/04/01
...

 
 محمد يونس
 
ثمة وجود بصري اذا وقفت امامه يجعلك تتأمل قبل أن تفسر ذلك الوجود، وبنية الماهية البصرية هي وحدة حقيقة ذلك الوجود المقابل، وثمة وجود مكاني عام ووجود خاص، فالوجود العام لا يفرض عليك معايشته والارتباط به حسيا، فهو جامد ككيان وبلا حياة، لكن المكان الخاص عرضة للتأويلات مثلما هو عرضة للتفسيرات حسب تعدد وجهات النظر. 
المكان الخاص يملك طاقة محرجة لنا، إذ يهيمن على حواسنا، ويجردنا احيانا من عامل الزمن، ففي المواجهة يشعر بأنه داخل اللحظة التاريخية للمكان، ويتنفس من داخل تلك اللحظة، وتلك المفارقة جديرة بأن تحولنا الى أيقونة مقابلة لأيقونة المكان، وهنا نتبادل المستوى البصري.. وكم انت عميق اذا شعرت بأن المكان يبادلك النظرات، وسلطة هكذا مكان احيانا عاتية، فكثيرا ما حبستني ساعة القشلة في مضمون افترضه لها، وذلك التصور السريالي للمكان يغير ملامحه مضمونيا على وجه الخصوص، ويكون هناك سحر مضاف في الشعور بالمكان، وساعة القشلة نص أدبي وفني على السواء.
يشكل المكان التاريخي اذا أزحنا عنه العزلة وحس الاغتراب أنموذجا سرديا، ولا يكون هذا السرد بملامح وافعال وتجارب وجودية، فالمكان عالم قائم بحد ذاته في تصورنا الروحي له، ومن هنا يكون كيان وله مضامين منها تتصل بحقيقته، ومنها من تصوره، والمكان جسد يمكن ان نبث فيه الحياة، ونعيد انتاجه من جديد، ونخلق له منظومة سردية حسب صيغ التفاصيل أفقية كانت او عمودية، والبنية السردية لساعة القشلة كنص سردي تفترض لنا مسمى استثنائيا، إذ بما أن بنية المكان المسرود عمودية وليست أفقية كما الوحدات المسرودة عادة، فهي هنا تحتاج الى سرد يتصاعد نسقها عموديا او شاقوليا، ووحدات السرد هنا قد يمكن أن نختلق لها حكاية افتراضية، وهي تاريخ تشييد المكان ووضعية العمل والكيفية التي شيد بها المكان، وهذا ما نتجاوزه كونه معلومات عامة عن المكان، وبما ان المكان العمودي يتكون من مستويات بصرية عدة، فهو سيكون متوافقا مع الوحدات السردية، والتي كل طبقة منها مؤهلة لوحدة سرد ملازمة لها، ونسق السرد العمودي بتصاعده سوف يبلغ نقطة أخيرة يتوقف عندها نموه العمودي، وسنصل الى نهاية الحبكة الجمالية البديلة للحبكة البشرية.لقد تبنت وحدة السرد العمودي مستويات تراكيب المكان تصاعديا هي ليست دائرية، وهنا سوف لا تدخل منظومة الزمن في النوع، كما في وحدة البناء الدائرية، وتلك السمة تعني كما اشار ابن عربي عن البنية الدائرية للقبة كبنية اطلاقية لا تقف على تفسير احادي، بل ستحتاج لتفاسير مستمرة، وتلحظ تركيبة المكان في ساعة القشلة قد استبدلت الدائرة بشكل هندسي يتوافق مع المنظومة السردية ولا يضعها في إحراج زمني، وتتيسر مهمة السرد البصري والمضموني الداخل في ادراك له، ونظام البناء التصاعدي بهندسيته غير العربية كما أبدت لنا بنية تراكيب المكان، يحيل الى منطق رياضي مغاير عن المتعارف في التراث العربي، إذ يكون مطلقا بلا نهايات دالة، وفي ثقافة التراث العربي يكون الشكل اولى بموازاة
 المضمون.
نمت الوحدات السردية الشاقولية او العمودية كل حسب وظيفته ووحدته المكانية، وكان السرد على المستوى البصري ينتقل من بنية وحدة مكانية الى أخرى، وتكامل البنى المكانية عموديا هو شيقٌ في معناه المسرود، ويخلق لدينا ايضا نوعا من الاحساس الجمالي به، وتلك مهمة جمالية يتكفل بها غالبا مضمون المكان الذي يتحقق في مشاعرنا واحاسيسنا، وبنية ساعة القشلة هي شكل وحجة جمالية فضلا عما تتصف به مضمونا.