الخطيئة

ثقافة 2021/04/03
...

 عبدالله الميالي
تتناسل الخيبات، كلما حاولتُ الهروب من الإثم، أصطدم بحواف السرير من جديد، تزداد الصدمات فتزداد الندوب، أسقط في وحلِ الخطيئة، تزداد شروخات القلب، لم يعد للصبر فسحة، الأبواب مؤصدة في وجهي، لا توجد دروب كي أطلق العِنانَ لساقي، مُعلّقة بين الحياة والموت، لوعتي تنسكب من جراحات معتقة، جوفي يمتلأ قيحاً، ظلّي وحظي الأعوجان يأبيان الاستقامة.
في فضاء معتم، ثملاً كعادته يقتحم مخدعي ليفرغ زُعاف سُمّه، يغلق الباب والنافذة، يسدل الستائر، أتقرفص في سريري، أضم أطرافي إلى بعضها، أحبس أنفاسي وبودي أن أصرخ عالياً لولا ضعفي وقهري، يذبحني من جديد، يغمد سيفه ويخرج يرفل بنشوة المنتصر من دون أن يجرؤ ليتطلع بوجهي.
أبكي بما تبقى لديَّ من دموع، وهل يجدي بكاء لمثل حالي؟ آه لو كانت لدي إرادة على الانتحار، لفعلتُ ذلك من زمن بعيد، أمي التي كانت تعلم بما يحدث خلف الباب، اكتفت بصمتها الحائر، دموعها هي الأخرى حفرت أخاديدَ على محجريها، تعتصر الألم والحرقة، وهي ترى بناتها الثلاث، يُذبحن أمام ناظريها، يذبلن وهُنَّ في عُمر الورود.
أرمي رأسي بحضن أمي، اختنق بالدموع، حنجرتي أصابها العطل، إلا من صرخة مكتومة "رحماك ربي".. نتعذب بلا ذنب جنيناه، مضت أعوامٌ ونحن على هذا الحال، نتلظى نار حظنا العاثر، في كل لحظة نتمنى فيها الموت، حيث لا مُنقذ يلوح بالأفق، أصبحت عزلتنا عن العالم الخارجي واقعاً مؤلماً لا مفرّ منه، شربنا حسراتنا جرعة بعد جرعة، بانتظار أن تجود السماء بنظرة شفقة على مأساتنا، ولعدم قدرتنا على التخلص من هذا الخوف القابع في تلافيف أدمغتنا، استسلمنا لقدرنا.    
أتساءل مع شقيقتي: هل ما يحدث لنا، يتكرر كذلك في باقي البيوت الأخرى؟، وهل هذه النزوات المشبوهة، هي نفسها في ذلك البيت، أو ذلك؟ أو ذلك؟.
ذات ليلة محترقة، لاحت إشراقة الخلاص، استجمعنا قوتنا الخائرة لوضع حدٍّ لهذا الشذوذ، والتخلص من الكابوس الجاثم على صدورنا، وإنهاء دورة هذا المسلسل المرعب، انتفضنا كما لم ننتفض من قبل، لابد من إزالة ذلك الصدأ الذي بطّن أطياف الروح، لابد من غسل ذلك العار الذي تلبّسنا على حين غفلة.
ها هو الذئب يتسلل إلى غرفتي ثملاً، يغلق الباب والنافذة، يسدل الستائر، يطفئالمصباح، يهم بسلِّ سيفه، الطعنات تتراقص على جسدٍ يترنح، طالما جرّعنا سموم طعناته، يخرّ صريعاً يتشحط بدمه، صرخنا جميعاً بصوتٍ واحد "إلى جهنم يا حقير".
في الصباحِ تستيقظُ المدينة على نبأٍ مزلزل تأخر كثيراً عن موعده: "طعناً بالسكاكين، زوجةٌ تقتل زوجها بمساعدة بناتها الثلاث".