فضاءات.. تزاوج الرسم والنحت والمعمار

ثقافة 2021/04/04
...

  لمياء نعمان 
 
بدأ الانسان القديم في كهفه 
يرسم على جدرانه ميزة الانتصار على الحيوانات الكبيرة التي يقاتلها خوفا منها ولغرض الحصول على لحومها وجلودها للاستفادة منها في اللبس والتدفئة.. وتحولت حاجته من الرسم للخامة (الطين) لحاجته الماسة لأدوات الطبخ فاشتغل أواني طينية فقام بشيها على النار لتكون صلدة ليطبخ 
بها طعامه واضاف لها اللون والتكورات دونما يدري ليكسبها الجمالية.
كما مالت حاجته الإنسانية الى تشخيص الكينونة في 
حياته فاشتغل ونحت تماثيل مصغرة للأم والتي كانت تعد بمنزلة "الإلهة".. وتحول الشغف بعدها والفراغ الاجتماعي الى تنفيذ أعمال مصغرة من الحيوانات والحاجات المنزلية، وعندما استقر 
الانسان البدائي في البيوت وازدهرت حاله نقش الكتابات على ألواح طينية فأصبحت كتابات مسمارية لتضع القوانين والحكمة لهم.
كما سعى بالاهتمام الى ابراز المقدرة والقوة والبطش والتشخيص فصور (الآلهة) عن طريق لمسات بسيطة على الجدران لتسمى 
(رليف).. وعندما أمست الحاجة للعبادة نحت الفنان شخصيات لتُقدّس ورسم ونحت الشمس والرياح والجمال وتواريخ 
الحياة والملوك والعامة كلها على الجدران لنقتفي أثرها عبر 
السنين ونتعرف على مجريات الأحداث في يومياتهم، لم 
ينسَ الفنان اشتغاله في أعماله لشخوص ضخمة تُعبر عن الوقار والهيبة والجبروت والسلطة، لتتبلور الحاجة الى تقدم المجتمعات وازدهارها وتباهي ملوكها بشخوصهم وبأعمال فنية ومعمارية خالدة.. أصبحت 
المدن في بلاد النهرين تتجمل بمبانيها ومساحاتها وروعة هندسة عمارتها، فأصبحت للآشوريين والبابليين والسومريين والأكديين أعمال نحتية قمة 
في الروعة والتعبير تمثل 
جبروت الشخصية "الملك" وقوته وتمكنه من أعدائه، ومن هنا كانت لدينا تعبيرات صورية مجسمة غاية في التقنية والتعبير والفهم 
من دون أن تكون هناك نصوص تعبر عنها، هي تعبر عن نفسها فقط.
قراءة تاريخ الفن في وادي بلاد الرافدين تجعلنا نجد أجناس الفن ولمساته في مجمل حياة المدن، والتعبير هو الذي يزاوج 
فضاءات وتحولات وأشكال الأعمال الفنية والتي تم اشتغالها 
بروح تهوى البيت والمدينة والحكاية والحكم والبيئة.. ولطالما أراد 
الفنان التعبير عنها بطرق يُظهر بها زمنه وتطلعات وقوانين مجتمعه بإيقاع تعبيري خاص لخّصها بأعمال فنية ومعمارية غاية في الروعة استخدمت 
فيها الجدران والمساحات 
واللون بمعادلات ومعالجات للاحتفاظ برموزتعبيرية وبصرية وصلت من دون أن تعتريها 
تقلبات الزمن بشيء، هنا نجد التحولات وصيرورتها في التخطيط 
واللون والكتلة وحتى في مساحات المباني والمعابد والقصور لترتبط جميعها بالإبداع الفني 
والاغتناء لحضارات ما زالت شاخصة.
الحقيقة أن تزاوج أجناس الفن لم تقتصر على حضارة بلاد النهرين بل هي سمة لعديد من 
ثقافات وحضارات عالمية قديمة شهدناها في العالم والتي تتمسك شعوبها بإرثها الجميل وتتفاخر به،كل الذي وصلنا من شواهد لتلك الحضارات هي منحى ولبنة لأفكار مجتمعية أحياها الفنان والمعماري باستخدام خامات قد تكون من الحجر والمرمر وأنواع الصخور لغرض التعبير عن ثقافة المجتمعات والملوك والسلاطين والذين اهتموا بإبراز سلطتهم وقوتهم في 
مدنهم.