آن ساكستون.. التجديف المروع نحو الرب

ثقافة 2021/04/06
...

أحمد رافع
مما لا شك فيه أن الوجودية عند الشاعرة آن ساكستون قد تغيرت إلى لوائح سوداوية تشذب معاني الجمال في نظرتها تجاه القمر في قصيدة (ربما القمر دمعة معلقة) محاولة للرد على الشاعرة سيلفيا بلاث: "ليس لدى القمر أي مبرر للحزن".
لقد كانت تشكك بفاعلية القمر لسبر أغوار الليل وتظن أنه دمعة معلقة.. هي لم تفصح عن أية دمعة تتحدث بل تركت في الفضاء دمعة واحدة تجوب في اللاشيء واللاجدوى، دمعة تراهامعذبة.. لا تمسك الطريق لتتقدم ولا تتمكن من أن تتركها لتعود.. هكذا تملي ما تريد أن تصل من حياتها بدمعة واحدة كبداية شمولية لحياتها.
ولعل مكابدة الألم عند ساكستون بدأت بالنمو لحظة رحيل عمتها (آنا) التي شغلت حيزاً كبيراً في القصيدة.. فبسببها تعرضت لأول انهيار عصبي شتت حياتها وزحزح ما كانت تريد السير فيه، خاصة  تلك الاضطرابات النفسية المتكررة.. ساكستون لم تستثمر -الألم- بل كان يفور في ذاتها المكبوتة وهي تطارد الأشياء، لكن يستحيل أن تعتنقها.. كل هذا جعل من ذاتها بركانا يتفجر ويدفعها نحو محاولات ومحاولات لانتحار فاشل.
والاضطرابات النفسية هي (تأثير سيلفيا بلاث) كما استحدثه عالم النفس جيمس كاوفمان وأطلق عليه.. ففي الدراسات الأولية تم تحليل أكثر من 1629 كاتباً لإجراء بحث عن علامات هذا التأثير، ووجد أن الشاعرات أكثر عرضة للإصابة بالاضطرابات النفسية أو ما يعرف بتأثير سيلفيا بلاث أعقبتها دراسة أظهرت النتائج نفسها بعد أن شملت 520 شاعرة وقاصة وفنانة.
وجدت ساكستون الملاذ الوحيد الذي ينقذها من الانهيارات العصبية ويبعدها عن فكرة الانتحار في القصيدة التي عدتها كالعقاقير الطبية، إذ أوجد لها طبيبها النفسي مارتن بعد دخولها للمصحات النفسية علاجا مناسباً وهو كتابة القصيدة كي تساعدها في تخفيف حالتها الصحية المضطربة. فكتبت قصائد مملوءة ببنى استعارية تعتمد على الوظيفة التحليلية للنص لا الشكلية وهي تجرر غبتها في الانتحار بأسلوب رمزي له علاقة بالطبيعة والدواخل البشرية، معبرة تارة عن عمق اللحظة الشعورية،ولتكون تارة أخرى واحدة من أهم شواعر المشهد الأميركي في خمسينيات القرن الماضي. 
(أنتِ لحم مشوي قمت بشرائه/ وسأحشوكِ ببصلي الخاص/ أنتِ قارب قمت بتأجيره بالساعة/ وسأقودكِ بغضب حتى تجنحي/ أنتِ زجاج اشتريته لأكسره/ وسأبتلع قطعة مع ريقي/ أنتِ المدفئة التي أدفئ بها يدي المرتعشتين/ أحرق بها جلدي حتى يصبح جميلاوطريا./رائحتك تحت حمالة الصدر تشبه رائحة أمي المقرفة/ وأتقيأ في يديكِ وكأني أُكرّمكِ/ يا لها من أماكن صعبة وباردة).. ومن قصيدة شراء العاهرة، بعد وقتٍ قصير اتخذت ساكستون المرأة القضية الكبرى وهي في طريقها نحو الاستشفاء،ولتغير بذلك المعادلة الشعرية السائدة آنذاك.
لقد تناولت(الجندر والجنسانية والإجهاض والدورة الشهرية والعادة السرية) وحطمت القيود المفروضة على القصيدة التي تكتبها النساء بذريعة الخوف والحياء، وواجهت انتقادات شديدة واعتراضات غير أنها لم تأبه لمحيطها الذكوري، وطرحت مسألتها الوجودية  الخاصة التي تحيط بقضايا المرأة، بالمقابل وخلف الستار كانت حالتها النفسية تفاقم بكل حرية حتى أوعزت في الكتابة إلى كشف الغطاء عما تعانيه المرأة. ولذا امتازت بالشعر الاعترافي الذي لا يتخلل سطوره الحياء والحذر.. فكان انبعاث مشكلات حياتها الشخصية منذ طفولتها وتعرضها للاعتداء الجنسي من والدها وعلاقتها السيئة مع زوجها وأطفالها له وجوده وهي تتعامل معه على أنه من الأدوات الستراتيجية لإنجاب قصيدة اعترافية.
كانت العلائق التي تشغل قصيدتها هي البحث ما وراء المرأة وما يدور حولها من حرمان لا تتمكن من البوح به، فشغلت مسامع المهتمين آنذاك إذ رأت الشاعرة ماكسين كومين أن ساكستون قد فتحت الآفاق الجديدة في الكتابة الإبداعية للأدب النسوي.
لم تستمر طويلاً في الحركة الشعرية، فالهدوء الذي تمنحه الأجواء الشعرية لم يكن سانداً لها إلّا لأعوام قليلة..إذظل الانتحار لغتها الوحيدة التي كانت تدونهاعبر قصائدها، وما أن انتهت من مراجعة مجموعتها الشعرية "التجديف المروع نحو الرّب" حتى أغلقت على نفسها داخل السيارة في مرأب المنزل وانتحرت بغاز الكاربون، ولعل هذا كان واضحا في تبادل رسائل الانتحار مع المقربة لها الشاعرة سيلفيا بلاث التي انتحرت هي الأخرى ولكن قبلها وهي مختنقة بغاز الكاربون داخل فرن مطبخها في لندن.