لياقة الجسد وتحرّره

ثقافة 2021/04/06
...

ابتهال بليبل
 
قبل أعوام، قادت العشرات من النساء والفتيات مسيرة جابت شوارع بغدادللدرّاجات الهوائية.. المارة آنذاك كانوا مندهشين، تقريباً مذهولين من الجرأة. ولم يمضِ وقت طويل حتى ظهرت محاولات فردية لأخريات يقدنّ تلك الدراجات في الشوارع. الأهم، أن إدارة جزيرة بغداد السياحية سارعت في السماح للإناث بتأجير الدراجات الهوائية وقيادتها داخل ساحاتها أسوة بالذكور.
وهذا كله كان يحدث بعد سنوات من طفولة ومراهقة قضيتها في قيادة الدرّاجة الهوائية. أحياناً –في مخيلتي- كنت أرجعُ التعثر في المشي الذي صاحبني طوال حياتي لاعتيادي عليها. لم يكن ممكناً بسهولة أن أبعد يدي عن مقود الدراجة، حتى بعد أن مُنعت من قيادتها في الشوارع بحجة أنها مقتصرة على الذكور (تلك الحجج التي اتقن المجتمع ترديدها) اقتنيت تحت ذريعة اللياقة البدنية آلة الدرّاجة الثابتة في المنزل.
ربّما لم أفكر بمسألة تأجير الدرجات الهوائية للإناث بداية. ولكني فكرت فيها مجدداً لأنها لفتت أنظاري إلى قدرة التكنولوجيا على تغيير حياة الإناث. فبعد أن كان يقتصر وجود الدرّاجة الهوائية على آلة ثابتة للرياضة المنزلية صار من الممكن عليهنّ الآن تجربة قيادتها في الشوارع والساحات (شبه العامة).
أن تقود أنثى دراجة هوائية في رأي كل من سمع عنها نابعة من حرص -جزيرة بغداد السياحية- على الربح المادي.. إنها أيضا -في نظري- خطوة مهمة في فكرنا المعاصر، لأنها بشرت بشكل غير مباشر بمواجهة المفاهيم المتعلقة بلياقة الجسد الأنثوي وتحرّره.
أيضا. يبدو لي أن ما يحدث يفسح مجالا أمام ثورة المكان على أنظمة القمع. ويدلّ – في الوقت نفسه- على متعة الحركة للوصول إلى اتجاهات وربّما توجهات مغايرة، في المقابل، فإنه – أقصد المكان- يقاوم حدود الفصل الجنسي ويشجع المزيد من الإناث على قيادة الدراجات، خاصة أن الأغلبية –كما نعلم- يفزعهم مشاهدة أنثى تقود درّاجة هوائية تماشياً مع المفاهيم المجتمعية التي تراها ملكية خاصة للذكور. إذا فكرنا أن الدراجة الهوائية ملكية خاصة للذكور فلنفكر معاً أن إضفاء طابع معين عند تحديد المكان (العام – الخاص) يوفر منظوراً حاسماً حول تقييم حركة المرأة.. فالمكان الخاص يتم تحديده دوماً بالأسرة، بينما العام يكون وفق الحرية المكتسبة، بمعنى أن الشخص هنا يتفاعل مع الأنداد من الغرباء. بينما في الأسرة، يرتبط الرجال (الذكور) أو يتفاعلون عادة بمن دونهم كما النساء.
يحضر في البال.. فتاة أعرفها (17عاما) تقود دراجة هوائية بسرية وبقلق من أن يراها الجيران، تقودها دوماً جيئة من باب المطبخ وذهاباً حتى البوابة الخارجية للمنزل وبمجرد أن تتعارك مع أحد أخوتها الصغار (الذكور) يهددها بفتح  البوابة كي يراها المارة في الخارج ويعاقبها الأب على ركوب الدراجة.. من هنا يغدو النوع الجنسي هو الفاصل في تحديد المكان الذي يجب أن نشغله، ومن ثم تصبح الإناث عنصراً أساسيا في المكان الخاص.. هنّ مقيدات من الوصول إلى العام بسبب نوع الجنس. 
ربّما، يتركنا هذا التفسير وتلك مهمة الإناث في قيادة الدرّاجة  الهوائية لفكرة العودة إلى ثنائية (المتعة - المقاومة) التي أجدها تتصل بحاجتنا القصوى لأصول النسوية في التقاطع والتمييز الجنسي، لأنه، إذاكان الوصول إلى المكان العام يعبر عن أن للحركة أهمية حيوية ومتشابكة. فإن قيادة الدراجة الهوائية وسيلة لحرية هذه الحركة وغاية لتحدي الأنماط التقليدية.