إنَّ من ابلغ آيات القرآن ومعجزاته، انه يضع بين يدي الأمة الانسانية الحلول التي تحتاجها للنهوض بانسيابية وبساطة متناهية، ويلخص بكلمات قصار الدعامات التي يمكن لها تأسيس مجتمع مستقر وخال من الامراض.
ولعل من أبرز هذه الدعامات ما بينته الآية الرابعة من سورة قريش في قوله تعالى: (الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ)، تبين هذه الآية ان المجتمع المستقر يعتمد على عاملي الاقتصاد والأمن، فهما كفيلان في حال ضمانهما توفير حياة كريمة للفرد وبيئة خصبة لانطلاق مهاراته العقلية والابداعية اللتين ستؤهلانه لاستعمار الأرض وبنائها، كما اراد الخالق سبحانه، ومن ثمَّ انصراف المجتمع ككل، لتلبية حاجاته الجمالية والكمالية التي فطر عليها، لأن الانسان لم يخلق للكد والتعب مثل حمار الطاحونة، وإنما ليكون مخلوقا ساميا شبيها بخالقه، من حيث الصفات الممكنة التي يشترك بها معه لفظا لا فعلا.
من هنا ورد عن الامام الصادق (ع) ان سلمان (رض) قال: إن النفس قد تلتاث على صاحبها إذا لم يكن لها من العيش ما تعتمد عليه، فإذا هي أحرزت معيشتها اطمأنت. وهو مشتق من قول النبي (ص) «إن النفس إذا أحرزت قوتها استقرت».
من خلال هذا البيان القرآني والدرر النبوية الشريفة، يتضح لنا ان من أهم اسباب التدهور الحاصل في بلدنا هو ضعف الحالة الاقتصادية للناس، هذه الحالة التي ألقت بظلالها السيئة على الوضع النفسي الجمعي لمعظم المواطنين، ما فتح الباب واسعا للتذمر والحاجة الى كسب سريع استغلته بعض الجماعات الارهابية ابشع استغلال، فمررت من خلاله أجندتها التكفيرية والتخريبية، وجرت البلاد الى ما آلت اليه الأمور المعروفة للجميع.
اذاً بالاستفادة من كل ذلك، وجب على القائمين بأمر الدولة ومستشاريها تفعيل الجانب الاقتصادي، ليس اعتمادا على مشروع الرعاية الاجتماعية وتخصيص رواتب للأسر الفقيرة لا تسمن ولا تغني عن جوع، وإنما عبر تحريك عجلة الصناعة، من خلال انشاء شركات عملاقة تضمن آلاف الدرجات الوظيفية للخريجين والشباب الباحثين عن فرصة عمل.
وبالنظر الى تجارب الامم والدول القريبة والبعيدة، نجد أن هذا الأمر بغاية السهولة والامكان لو كانت هناك ارادة وطنية راغبة بايجاد حلول حقيقية لمشكلات البلاد.
ومن خلال العودة الى الآية المباركة والحديث النبوي الشريف، نستطيع صنع اكسير للنجاح وعلاج للنفس العراقية المنكسرة، ولعل أولى الخطوات المؤدية الى ذلك، العمل على تأهيل واعادة تشغيل آلاف المصانع المتوقفة، ومن ثمَّ خلق الآلاف من فرص العمل، وبهذا سيتسنى للشباب وأسرهم الشعور بالامن والاستقرار، الامر الذي سيفتح لهم المجال للابداع والمضي بحياتهم قدما، بدلا من جعلهم يعيشون مع هاجس البطالة وخسران
المستقبل.