طريقٌ عابرٌ بين اللغات

ثقافة 2021/04/07
...

لؤي حمزة عباس
بما أن القراءة، كلُّ قراءة، مبنية على الكثير من الالتباس وسوء الظن، ولا تقبل النصائح المسبقة التي يُسديها، في العادة، المؤلفون والمترجمون شديدو الحذر لقرّاء كتبهم، من أجل قراءة آمنة بلا سوء ظن ولا التباس، تحملني إشارة غادة الحلواني مترجمةِ قصة أدغار ألان بو "حكاية شهرزاد الثانية بعد الألف"، على السير عكس اتجاهها، والمضي بعيداً عما تحدده من مساراتٍ تحسبها آمنةً، فالباب المغلق، في الحكاية كما في الحياة، مثار فضول دائماً.
تشير المترجمة أو تنصح، بأن "هذه القصة لا تمت بصلة إلى حكايات ألف ليلة وليلة"(1)، وهو سبب ثانٍ لاستدعاء الليالي العربية قبل الشروع بقراءة قصة "بو"، السبب الأول هو عنوان القصة وقد أخذ شهرزاد لما بعد الليلة الواحدة بعد الألف، منفتحاً على حكايات ألف ليلة جديدة، إذا استحضرنا تأويل بورخس لعنوان الليالي العربية، وتعلل المترجمة إشارتها أو نصيحتها، بأن القصة "تأليف خالص" لـ "بو" فنان المجاهل والأسرار، مجرِّدةً القصة بوصفها "تأليفاً خالصاً" من شبهة التأثر ونباهة الاقتداء، حتى لو كان النص المؤثر من طبقة ألف ليلة وليلة.
ولما كنت أتحرّك، بوصفي قارئاً ضالا بين إشارتين متقاطعتين، إشارة أدغار ألان بو وإشارة مترجمة أعماله النثرية إلى لغة الليالي، وبالنظر لاهتمامي بالهوامش الذي لا يقل عن اهتمامي بالمتون، سأختار، بلا تردد أو حذر، طريق المتاهة الذي يقود على الدوام إلى الهاوية، وهاوية السرد بعيد قاعها، فغواية شهرزاد موصولة، 
ونداؤها ليس له انقطاع، تعمل إشارة المنعِ والتنبيهِ على تأكيد حضور الغواية والتحذير من تأثيرها، إنها ضربٌ من ضروب الفتنة، فتنة السرد التي لا تنتهي! تغلق المترجمة البابَ، وتضيّق المسارات أمام قرائها، ويفتح أدغار الآن بو الباب، بالمقابل، ويوسع المسارات، "أدغار ألآن بو" ليس خائفاً من قارئه ومن انفتاح قراءته، كما أن عنوان قصته لا يُضمر خشيةً أو حذراً من القارئ أو عليه، بأية درجةٍ كانت، لكن المترجمة يُخيفها زيغ القراءة وسوءُ الظن فيها، وتخشى تيه قارئها في المسافة الفاصلة بين (ألف ليلة وليلة) و(حكاية شهرزاد الثانية بعد الألف).
لذا فهي تُثبت إشارتها وتضيء طريقها الذي لن يكون سوى طريق قراءتها، أليست الترجمة، في نهاية المطاف، قراءةً بينيةً مهمتها إدامة الصلة وتأمين الطريق العابر بين اللغات؟.
.................
ــ أدغار آلان بو، الأعمال النثرية (1)، ترجمة غادة الحلواني، المركز القومي للترجمة، 2006: 209