عندما تكون الحبيبة وطناً في قصيدة (إذا نسيتني) لبابلو نيرودا

ثقافة 2021/04/07
...

  محمد تركي النصار
يعد بابلو نيرودا من أشهر الشعراء وأكثرهم تأثيراً في القرن العشرين، حصل على العديد من الجوائز، أبرزها جائزة نوبل للآداب عام 1971،  من أشهر دواوينه «عشرون قصيدة حب وأغنية يائسة» «في هذه الليلة، أنا قادر على كتابة أكثر القصائد حزناً»، «اسبانيا في القلب»، وغيرها، كما كتب سيرته الذاتية بعنوان «أشهد أنني قد عشت»، اتّسمت كتاباته بالإنسانية، فقد وقف في صف البسطاء مُدينًا جميع أشكال الاضطهاد ضدهم.
قصيدة نيرودا (اذا نسيتني) تتحدث مباشرة لحبيبة الشاعر محذرة اياها مما سيحدث اذا تخلت عن حبها له. كان نيرودا متزوجا من الكاتبة الارجنتينية ديليا ديل كاريل حينما كتب هذه القصيدة لكن الكثيرين يعتقدون بأن نيرودا كتبها الى حبيبته ماتيلدا اوريوشيا، المرأة التي ستصبح لاحقا زوجته.
نيرودا الشيوعي اضطر لهجرة بلده تشيلي لمدة اكثر من سنة بعد سقوط الشيوعية عام 1948 وهذه القصيدة كتبت على الأرجح اثناء وجوده في المنفى. ويعتقد بعض النقاد بأنها لم تكتب لحبيبته بل لبلده تشيلي محذرا من عدم نسيانه بعد اضطراره للمغادرة.
وبغض النظر عن التأويلات المختلفة فإن هذه القصيدة تعد من أبرز وأهم ما كتب الشاعر. 
في بداية القصيدة يعرض نيرودا صورة رومانسية جذابة لحبيبته مذكرا اياها بحبه الكبير لها، وفي المقاطع الوسطية من القصيدة تتغير النغمة مخاطبا اياها بأنها لو تخلت عن حبها له فإنه سيفعل الشيء ذاته، في حين تغدو نغمة المقاطع الأخيرة إيجابية، رومانسية فهي إن صانت حبه فانه سيحبها للأبد. وتسلط القصيدة الضوء على قوة العلاقة العاطفية بين الرجل والمرأة وكيف انها قابلة للتذبذب والتحول وفقا لظروف معينة. 
تتكون القصيدة من ستة مقاطع متنوعة الطول وهي من الشعر الحر، يتكون مقطع القصيدة الأول من بيت واحد (أريدك أن تعرفي شيئا واحدا) ويبدو كما لو انه استمرار للعنوان وتعكس النغمة هنا تحذيرا مخفيا بينما تتغير إلى الهدوء والنعومة في المقطع الثاني، إذ يشرح نيرودا عمق علاقته العاطفية لمعشوقته مستخدما مفردات جميلة، مشيرا إلى (القمر البلوري) و (الغصن الأحمر) مركزا على حاستي البصر واللمس مخبرا اياها بأن كل مايراه ويلمسه يعيده اليها لامحالة:
أريدك أن تعلمي أمراً واحداً
وهو أنني عندما أنظر من نافذتي
إلى القمرِ البِلّوريِّ،
والغُصنِ الأحمرِ للخريفِ المتمهل،
قريبا من النار، وعندما المس الرّمادَ غير المحسوس
أو جسدَ الحَطَبِ المتجعد،
 فإن كلُّ شيءٍ يَأخذُني إليكِ
 وبينما يكون النصف الأول من القصيدة رومانتيكيا وتغلب عليه الطراوة يرسم المقطعان الثالث والرابع صورة مختلفة تماما ويلعبان دورا تحذيريا للحبيبة، إذ يقف المقطع الثالث وحده موجها تحذيرا بأن المعشوقة لو توقفت عن حبه فإنه سيهجرها أيضا، وتتواصل الفكرة ذاتها في المقطع الرابع مبرزة ندية المشاعر بين الحبيبين فإنه:
حَسَناً، 
إنْ أنتِ تدريجيا توقفت عن حُبِّي.
سأتوقف أنا أيضا عن حبك شيئا فشيئا
وإذا نسيتني فجأة
لا تبحثي عني
لأنني سأكون قد نسيتك 
.........
وفي تلك الساعة
سأرفعُ ذِراعَيَّ
وأتخلى عن جذوري
باحثا عن أرضٍ أخرى.
ويستخدم نيرودا هنا المجاز الموسع للساحل وأرضه لتحذير حبيبته من العواقب المحتملة من انفضاض علاقتهما، إذ يظهر المتحدث هنا حبيبته  بأنها وطنه لكنها لو تركته سيبحث عن حبيبة أخرى.
في المقطع السادس من قصيدة (إذا نسيتني) يغير نيرودا نغمته مرة أخرى عائدا هذه المرة إلى الرومانسية والتوقد الوجداني الذي رأيناه في المقطع الأول، فالبيت الأول يتكون من كلمة واحدة فقط، وهذا يعطي القارئ انطباعا بأن كل ماحدث في المقاطع السابقة هو لتهيئة المشهد للمقطع
 الأخير: 
لكنْ،
 إن أنت أَحسستِ كل يوم وكل ساعة
 بأن هناك قدرا يوحدنا
بعُذوبةٍ آسرة،
 وفي كل يوم تصعد زهرة إلى شفتيكِ باحثةً عني
ياحبيبتي
فإن اللهب سيشتعل من جديد
 ويقارن نيرودا تعلقه بمعشوقته بالنار التي تتغذى من حبها له، ويختتم القصيدة معلنا بأنه طالما أن حبيبته موجودة فإن حبهما لبعض سيبقى حيا يورق في عناق أذرعهم:
فلا شيء ينسى أو ينطفئ في داخلي
وحبي يغذي حبك يامعشوقتي
وسيبقى بين ذِراعيكِ ما حَييتِ
دونَ أنْ يُغادر ذراعيَّ.