بخت الحكومة

فلكلور 2021/04/08
...

باسم عبد الحميد حمودي
في العام 1967كنت مديرا لامتحانات الدراسة الاعداديَّة والمتوسطة لمدارس قضاء(عفك)، منتدبا من ثانوية الدغارة، بينما كان المرحوم عباس فرحان منتدبا من ثانوية عفك لادارة امتحانات اعدادية ومتوسطة الدغارة.
هكذا كان الامر في انحاء لواء الديوانيَّة، الذي كان يضم مدارس محافظة المثنى اليوم, اذ كان مديرو الثانويات والمتوسطات ينسبون لادارة الامتحانات الوزارية في أقضية ونواحٍ اخرى.
كنا نضع أسئلة الامتحانات مختومة بالشمع الأحمر في قاصة حديدية خاصة بالقائممقام أو مدير الناحية، ونأخذ منه وصلا رسميا بالتسلم، ونسحب منه يوميا وبحضور معاون المدير اسئلة ذلك اليوم، لنذهب بها الى القاعة الامتحانية، حيث تفتح امام المراقبين والطلبة الممتحنين، ويقوم اثنان منهما بالتوقيع على سلامة حفظ الاسئلة وفتحها صباح الامتحان لتتم الاجابة.
كانت حركتي الصباحيَّة اليوميَّة تبدأ من مكان النوم الى مبنى سراي الحكومة، حيث مقر قائممقام القضاء لأتسلم الأسئلة مع المعاون، ونذهب بها الى مقر القاعة الامتحانيَّة مشياً على الأقدام من دون سيارة أو حراسة أو خوف, بل كان بعض المارة يخشون الاقتراب منا اتقاءً.
في صباح يوم خرجت من مبنى السراي، الذي يضم أيضاً محكمة القضاء ورأيت جمعاً قليلاً من الأهلين يقفون عند سور السراي الطويل نسبياً, واثنين منهما يتحالفان ممسكين السور وكل واحد منهما يقول ضارباً بيده على طابوق السور (وحك هذا بخت الحكومة ما تطلبني غير خمسين ديناراً) والثاني يحلف بعده ويضرب السور بجمع يده غاضباً ويصيح: (وحك هذا بخت الحكومة بعدني أطلبك مية وثمانين) وانصرفت الى القاعة الامتحانية, وانصرف المتخاصمان الى المحكمة.
هكذا كان الإيمان بهيبة الدولة وإيمان المتخاصمين أنَّ لهذا السراي سطوته المستمدة من سطوة الواحد الأحد, وأنه (يشوّر) بتشديد الواو كما هو الإمام الصالح أو سيدنا العباس بن علي بن أبي طالب (ع).
هي صورة أنقلها لكم متيقناً أنَّ للفكر الجمعي إيمانه بذلك وهو إيمان يستند الى مناقب ثرة، تحتاج الى البحث والكشف الانثروبولوجي والسوسيولوجي المعتمد على الفكر الشعبي المتوارث.