الكاطع دليل المجانين في سفرة عجائبيَّة

منصة 2021/04/10
...

  سعد صاحب 
في هذه القصيدة صراع تراجيدي عميق، ربما يكون بين امرأة وعاشق، أو بين رجل ورجل، أو بين منتمٍ الى فكرٍ سياسي، وما خلف في نفسه ذلك الانتماء من تداعيات خطيرة: (جربت مره وبعدها زنجر بكلبي القفل/ يوم حب بارد جمعنه واعرفت ما نشتعل/ ردت اجيب الروح كوه البيتك المسكون/ لكن ما رضت دكت رجل).
الصور الشعريَّة المميزة جداً ولدت تحت ضغوط عديدة ومن معاناة صادقة مرَّ بها الشاعر، كان معرضاً فيها للقصف من كل الجوانب، فهو متعبٌ وما عاد يقوى على السير في ذات الطريق الذي أنهك قواه وشوش عقله بالشكوك والطعون والحذر والارتياب: (كالت الشرفه كمين/ وخوفي من عدها يطل/ كلشي بيها مو حقيقي/ حتى هذا الكمر لعبه/ من خلص دوره وطلعنه/ نزلوه اهله بحبل).
الفكرة حكايات من زمن التطاحن وقصص غرائبيَّة عن الحرب والعشق والخوف والغربة، وقاعات الساسة المليئة بالتماثيل المتحركة، وعن أقدار الناس المسكونة بالفجيعة والألم والموت والمهالك: (مو طبيعيه النوارس/ كل مهمتها تفرح الناس/ وتبجي الجرف من تنكتل/ ابيتك المسكون مجلبوبه النوارس/ على الناس اجناحها يرامي نبل/ والتماثيل اتحرك/ وعلى طعنات السيوف الحجر يضحك/ وعلى الما يسوه تطيح الروس جمله والشوارب تنفتل).
حتى الطبيعة المسالمة أصابها داء الحقد القبيح، فالطيور الوديعة تحولت الى شريرة قاتلة، والسواقي المعروفة بطهرها أصبحت ملوثة، وماؤها ألواناً مختلفة في منبعٍ واحد: (والطيور املثمه اباب الحدايق/ بينهن ثارات ودموم وفصل/ الساجيه البيتك عليها/ مو مثل باقي السواجي/ ميها كل كطره شكل).
يعلن الشاعر وقوفه بالضد من تألهة العقائد السياسيَّة، وضد نفوذها الذي حول الانسان الى شيء تافه، مرجحاً الذوق الفني والشعر والصداقات والسلام عليها: (شحصل الكبلي وجي البيتك وخدمه/ ومثل الكلوب اشتعل/ الشمس ترجع لهلها العصر عميه/ اثيابها بطين الحدايق تنغسل/ كل حصيلة ذكرياتك/ كاتل ومكتول صرنه/ والحقد همزة وصل).
حاول الكاطع تمزيق القناع وإظهار الوجه اللامرئي المختفي خلف الستائر للقائد النرجسي المطل من شرفة عالية على المحرومين، دون الإحساس بهذه الشريحة المهملة: (آه يل كلك تناقض/ خدك وكلبك عجايب/ صوره مو طبق الأصل/ خدك بلون الوفر ليلة ضباب/ وكلبك بلون الكحل/ وجان همك تستغلني/ وغصن المكابر بروحي ترشه ذل).
اكتشف داخل هذا البيت المسكون بالأشباح، الكذب والزيف والنفاق، وإنَّ القداسة الحزبيَّة وهم باطل، والأمر يتعلق بالمنفعة الشخصية للرأس الكبير، أما الكائن المعذب فمنسيٌّ بذيل القائمة: (صرت بعيادك مغني/ صرت بعراسك طبل/ كاس واحد مره من صحتك شربته/ سنين خلاني ثمل/ وشرد اكل للعيروني/ استحي وهسه انه شايب/ مهرتي حجلة طفل).
رفض الشاعر بشدة أنْ يفرض عليه أنموذج لا يباركه، وبالإكراه يغدو في نظره كالملاك الطاهر، وانه الوحيد الجدير بالمديح والثناء والحياة والبطولة وبقية الناس وقود المحرقة المشتعلة: (والف هنيالك عليه الفصل الاول/ جان تعذيبه سهل/ هسه انه وياك والبر/ سفرة مجانين حره وانتهى دور العقل/ اثنينه بهاي الجزيره/ لا شهود ولا قيود ولا مثل/ نمشي ومغمضين نمشي/ بالرمل غرز جدمنه/ ردنه نطلع ما كدرنه/ واه من يلتف على الساك الرمل).
الإنسان العراقي صاحب إرادة إنسانيَّة فائقة، فهو مندفعٌ في العشق والمحبة والكفاح والأمل، ومنفردٌ في تحمل الألم القاتل: (يوم مر ويوم ثاني/ وما يسمعك هل رمل لو كلت حل/ يوم ثالث يوم رابع/ والعطش والجوع أخذنه/ والدمع ما ينشرب والرمل ما ينوكل/ يوم خامس يوم سادس/ وما نلحك على السابع يمكن وبي نحتفل).
كتابات تطهرنا من المواجع، وتحرضنا على مقاتلة اليأس والاستسلام، وبين المقاومة والخضوع، تحول الكاطع الى أثر شعري بارز، وهذه مهمة صعبة حققها بنجاح: (بعد شيفيد اعتذارك/ ينقبل ما ينقبل/ بالسمه الغربان باعتنه وشرتنه/ وقسمتنه انصير جم وجبة اكل).