قبائل «الاشتراك الشهري» تنتشر في بغداد

اسرة ومجتمع 2019/02/09
...

يونس جلوب العراف
عندما يكون الإنسان وحيدا في منطقة ما دون وجود أقارب له في المنطقة فانه يصبح مستضعفا ففي صباح صيفي حار طرق أشخاص يرتدون الزي العشائري باب منزل الشاب محمد سليم الساكن في حي الجهاد وأخبروه أنه “مطلوب عشائريا” كون زوجته طلبت الطلاق منه لكنه رفض ولغرض التخلص من هذه المشكلة اتفق مع شيخ عشيرة لا تربطه معه صلة قرابة لكنه يقوم بحل المشاكل بمقابل مالي.
يقول محمد الذي ليس أقارب في منطقته : ان الشيخ استطاع حل المشكلة بالاتفاق على الطلاق ودفع مبلغا للعشيرة الخصم لكنه بدأ ينصحني بالانضمام إلى عشيرته، من خلال دفع مبلغ اشتراك شهري حتى يقف معي في المشاكل التي قد اتعرض لها مستقبلا .
 
عروض بالانضمام الى عشيرة
يؤكد ياسين غيدان وهو من الاكراد الفيلية ان احد اصدقائه نصحه بالانضمام الى احدى العشائر ليكون موقفه قويا بعد حدوث مشكلة مع عشيرة اخرى فعشيرته الجديدة تتكفل بالتدخل في حل المشاكل كحوادث السير والشجار والتدخل لدى العشائر الاخرى لحل النزاعات البسيطة.
واضاف: ان العرض الذي قدمه له صديقه  كان مشروطا بعدم التدخل في المشاكل السوداء، التي هي القتل والاغتصاب والاعتداء على حرمة المنازل ومخالفة قوانين الدولة فهذه المشاكل يصعب حلها بسهولة.
وتابع :ان الانضمام تلك العشيرة يتطلب دفع مبلغ اشتراك شهري ليكون الشخص الجديد (وداي) للعشيرة الجديدة .
 
رأي الصحافة
لتغطية الموضوع من جوانب مختلفة فللصحافة رأي في الموضوع حيث يقول الصحفي عبدالزهرة الطالقاني :برزت في الاونة الاخيرة ظاهرة سيئة تمثلت بعدد كبير من الذين يسمون أنفسهم على أنهم شيوخ عشائر ، أو رؤساء أفخاذ ، مهمتهم المساهمة في الاشتراك في حل النزاعات وتكوين كتلة للضغط على العشيرة الخصم وهؤلاء ينتمون إلى عشائر مختلفة .
واضاف : ان هولاء يتواجدون في المقاهي والأماكن العامة ، أو تستطيع الإتصال بهم عند الحاجة ، والبعض ازدهرت لديه هذه التجارة السحت ، فأفتتح مكتباً وأصبح يستقبل القضايا المختلفة مقابل أجور تحددها نوعية الفصول العشائرية ، وحجم الأموال التي يمكن الحصول عليها نتيجة جلسة الفصل العشائري والنسبة المئوية لكل من هؤلاء . 
وتابع :إنهم شيوخ يعملون على القطعة ، ومتوفرون في كل زمان ومكان وهم حاضرون ومبرمجون وماهرون في قلب الحقائق وتأزيم الأزمات وجعل الباطل حقاً والحق باطلاً فهم يفرضون حلولاً للمشكلات على مقاسهم حتى يضمنون أجورهم المتفق عليها مسبقاً ، حيث تزداد هذه الاجور طردياً مع زيادة مبلغ الفصل .
 
الشيوخ الحقيقيون
يقول الشيخ قاسم راضي الشويلي من محافظة البصرة :ان من المؤسف ان يكون هناك شيوخ عشائر  يعملون بالإيجار لانهاء الخلافات بين الناس فهي ظاهرة غريبة على مجتمعنا المعروف بقيمه الاصيلة، المجتمع بدأ يتجه ويشجع هذا الاتجاه.
واضاف: ان الظروف قد اجبرت العديد من الناس على الاعتماد على هؤلاء الذين يقدمون خدماتهم لأي شخص، خصوصا من الذين لا ينتمون إلى قبيلة، أو المطرودين منها، أو الذين ابتعدوا وقطعوا علاقاتهم مع عشائرهم، أو ابناء الديانات الأخرى الذين يكونون بحاجة إلى عشيرة تحميهم .
وتابع :ان هؤلاء الذين يسمون انفسهم شيوخا هم ليسوا شيوخ عشائر أصلاء، بل يدعون أنهم شيوخ عشائر.
ولفت الى ان المحافظات الجنوبية  تخلو من هذه الظاهرة وهي غير موجودة، بل يقتصر وجودها في بغداد بسبب ضعف الأواصر العشائرية لدى الكثير من العوائل.
 
مجلس النواب
يقول نائب رئيس لجنة العشائر في مجلس النواب السابق وشيخ عموم قبيلة السودان محمد الصيهود: ان جذور هذه الظاهرة تعود الى سنوات التسعينيات وأصبح لبعض (الأفخاذ العشائرية) أكثر من شيخ بسبب الاختلاف في الزعامة، فتشظى كثير من العشائر إلى فرق وجماعات؛ الأمر الذي فسح المجال أمام بعض الأشخاص الوصوليين للادعاء بأنهم (شيوخ)، واستغلال صفتهم القبلية لأغراض التكسب، من خلال التدخل لحل بعض النزاعات المتعلقة بقضايا (الدهس)، و(المشاجرات)، واسترجاع (الديون).
واضاف :ان ظاهرة العشائر التي تعمل وفق الاشتراك الشهري قد انتشرت كثيرا في الفترة الأخيرة حيث أغلب الشباب في بغداد بدأوا يتوجهون للانتماء إلى العشائر لضمان قوة إلى جانبهم ، مضيفا ان هؤلاء الشيوخ والوجهاء عادة ما يمتلكون السلاح لدى عشائرهم  والنفوذ داخل مؤسسات الدولة.
ما يقوم به “مدعو المشيخة”، بأنه “نوع من حالات النصب والاحتيال.
وتابع: خلال السنوات التي عملنا فيها كلجنة عشائر برلمانية وبالتنسيق مع مديرية العشائر في وزارة الداخلية ولجنة العشائر في مكتب رئيس الوزراء عملنا على مكافحة هذه الحالة وفق الأطر القانونية واستطعنا التدخل في عدد من المشاكل التي كادت ان تتسبب بكوارث بين العشائر.
ويلفت الصيهود إلى أن شيوخ العشائر الحقيقيين تعرفهم العشائر  وهم معدودون، لكن الوضع العام في البلد أدى إلى بروز مدعي المشيخة، وهم بالحقيقة تجار مشاكل.
 
وكلاء المرجعية
الشيخ علي حسين الجدعاني من وكلاء المرجعية في مدينة الصدر يقول :خلال المدة التي اعقبت سقوط النظام السابق اضطرت بعض العوائل العراقية، بسبب غياب القانون والانفلات الأمني، للاحتماء بالعشيرة، وإحياء بعض العادات والتقاليد القديمة والبالية، وتحوّلت العشيرة من مفهوم الدفاع عن المظلوم، وأخذ الحق من الظالم، إلى عملية متاجرة وتكسب؛ الأمر الذي دعا كثيرين ممن تواجهم مشاكل ولا ينتمون إلى الأعراف العشائرية، إلى البحث عن منقذ أو وسيط يستطيع التعامل مع تلك العشائر، سواء أكان معتديا أم معتدى عليه. 
واضاف:ومع تطور عمل (الشيوخ الوهميين الوسطاء)، تحول الأمر إلى متاجرة في بعض القضايا، أو كما يسمونها (ضربة) في الإشارة إلى حجم المبلغ الذي يحصل عليه منتحل صفة الشيخ. وأن من زبائن هؤلاء (الشيوخ الوهميين) أفراداً من عائلات ومن ديانات أخرى غير الإسلام، وبعض المتمدنين ممن لا يرتبطون بالأعراف والعلاقات العشائرية، وآخرين ينتمون لعشائر، لكن بسبب عدم إنجاز الحق في مطالباتهم الابتزازية، يلجؤون إلى مثل هؤلاء الأشخاص.
وتابع: إن مثل هذا العمل محرم شرعا، إلا إذا كان في إصلاح ذات البين، ويكون من دون مقابل، فليس من أخلاق الدين امتهان عملٍ لاستغلال ظروف الناس وأوقات ضعفهم.  وتابع :إن المرجعية حرّمت 
بعض الحالات التي يبالغ فيها بعض الناس في الفصل العشائري، وعدّته غير جائز ومحرم شرعا، لأنها ترى فيه أنه يفوق 
قدرةَ المقابل على دفع الدية المنصوص عليها في الشرائع السماوية. أما ما يخص تصرفات بعض الأشخاص، ممن يدعون أنفسهم (شيوخا) أو وسطاء لسلب الحقوق من المستضعفين، أو ابتزازهم والتحايل عليهم، فهو ارتكاب معصيةٍ وعمل لا أخلاقي يحرّمه الدين، وحذّرنا منه كثيرا، لأن مثل هؤلاء الأشخاص من الممكن أن يشعلوا الفتنة، ويضرموا النار في الهشيم من أجل الوصول إلى غاياتهم الدنيوية. 
ورأى :إن هذه الظاهرة الاجتماعية وأمثالها مسيئة لقيم العشائر العربية الأصيلة وأعرافها السامية، فلا بد للقانون والأجهزة الأمنية من أن تضع حدا لهذه الممارسات، التي تؤسس لبزوغ نظام اجتماعي لا أخلاقي، يهدد الأعراف والتقاليد العشائرية الأصيلة، المعروفة بكرمها وسخائها ونصرتها للمظلوم، بعكس ما يقوم به هؤلاء الأشخاص من استغلال للحوادث والظروف الصعبة التي يقع فيها بعض الأشخاص.