وشم الطائر

ثقافة 2021/04/11
...

حميد المختار 
 
هذه واحدة من الروايات العراقية التي وضعت الأصبع على عمق الجرح.. الكاتبة (دنيا ميخائيل) شاعرة عراقية مغتربة وهي زميلة قديمة من أيام الدراسة في الجامعة المستنصرية في ثمانينات القرن المنصرم.. بعد سقوط النظام البعثي وانفتاح العراق على العالم تعرَّفتُ على صحفية من كوريا الجنوبية واتفَقَت معي أن تبعث لي دعوة لزيارة بلدها، وفعلاً تم ذلك وسافرت إلى كوريا الجنوبية، ومن بين النشاطات الكثيرة التي قمت بها هناك جلسة أدبية نظمها لي اتحاد الأدباء في إحدى المكتبات في العاصمة (سيئول) وكانت معي مجموعة من الروايات العراقية وحين أهديتها لرئيس الاتحاد صار ذلك وكأنها مناسبة رسمية سعيدة،إذ تم تسلُّم الروايات مني بطريقة احتفالية تثير الإعجاب والانبهار، والأمر الأجمل أنني حين زرت اتحاد الأدباء شاهدت لافتة قماشية معلقة طولياً على باب الاتحاد قالت زميلتي الصحفية الكورية للمترجم: "هل يعرف حميد ما هذه اللافتة؟" قلت للمترجم: "لا أعرف" قالت: "هذه قصيدة قصيرة لشاعرة عراقية اسمها (دنيا ميخائيل) أحببت هذه القصيدة وعلقناها في هذا المكان"... أسوق هذه الحادثة لأعود إلى رواية (وشم الطائر) التي أعجبتني وأثارت شجني وغضبي وحزني لِما حوته من مآسٍ كبيرة مرت على (الأيزيديين والأيزيديات) تحديداً من سبي وبيع وشراء واغتصاب وتعذيب وموت وفقدان حتى يمكنني أن أصنف أن هذه الرواية إنما هي (وثيقة الألم والحزن العراقي)... تلك التي دوَّنَتها زميلتنا الشاعرة (دنيا ميخائيل) والأمر الذي أفرحنا هو وصول هذه الرواية إلى القائمة القصيرة لجائزة (بوكر) وهو حدث يسُرُّ القلب ويبعث الأمل في الالتفات العربي والعالمي إلى الرواية العراقية والرواية المكتوبة بأقلام نسويَّة، أما كون الكاتبة شاعرة وليست متخصصة بالسرد فهذا بحث آخر... المهم في الأمر أن رواية (وشم الطائر) استطاعت اختراق الحواجز الكثيرة ووصلت إلى مكانة معترف بها عربياً وربما عالمياً رغم بساطة اللغة وعدم اجتهاد الشاعرة في بناء الرواية ومعمارها إنما هو سرد يسير وحكاية مأساوية تقصُّها امرأة عراقية مسيحية عن أقوام عراقيين سكنوا العراق منذ الحضارات الأولى واستوطنوا أرضاً بكراً وجبلاً يمثل الوجود، واتَّخذت من طائر القبج رمزاً للأصالة والحرية والجمال والحب، فهي تحكي قصة حب رعوية في بكورة الأرض في قرية (حليقي) التي ليست على الخريطة، ومن ثم انتقلت إلى الموصل وبعدها إلى كندا لتستقر هناك بعد تحررها من داعش ومقتل زوجها لتبدأ حياة جديدة مع أسرتها هناك... ثمة الكثير من الشعر المنبث هنا وهناك في تلافيف الرواية وهي بلا شك تستحق القراءة لنتعرف من خلالها على ما يمر به العراقيون من مآسٍ ومحن 
ودمار.