اعتقال بول ويلان في روسيا خطوة لتبادل الجواسيس

بانوراما 2019/02/09
...

مارك جاليوتي ترجمة: شيماء ميران
 
 
 
 
لا يزال من غير الواضح، ما اذا كان المواطن الاميركي بول ويلان جاسوساً بالفعل، كما زعمت السلطات الروسية ام هو ضحية هوية خاطئة او احتجاز ساخر كرهينة، مع ذلك فالخطورة هي الانزلاق الى عصر يصبح فيه المدنيون لعبة بيد الحكم السياسي الحديث.
ففي ظاهر الامر يبدو ان اختيار ويلان كعميل كان غير اعتيادي، فهو عنصر سابق في المارينز الاميركي تم اعفاؤه من الخدمة، كان يزور روسيا باستمرار منذ العام 2007 وكان ناشطاً على  وسائل تواصلها الاجتماعي، ووسط ذلك كان دوره في ادارة شركته الامنية الخاصة غير واضح، والاكثر من ذلك فان وكالة الاستخبارات الاميركية لا ترغب بارسال عناصرها تحت “غطاء غير رسمي” وبدون حصانة دبلوماسية الى محيط عدائي مثل روسيا التي تنشط فيها عمليات مكافحة التجسس وتشدد السلطات. وهو ليس مستحيل تماماً اذا كانت المعلومات لها اولوية قصوى حقاً، وخصوصاً بالنظر إلى ان فريق وكالة الاستخبارات الاميركية المغطى رسميا في روسيا كان من الممكن ان يدمر بسبب الجولة الاخيرة من الطرد المتبادل، لكن من السهل الاعتقاد بان اختيار ويلان ببساطة كضحية سهلة، او سقط من جهاز امني يميل الى بارانويا المهنية، وكذلك درجة تناقضه العالية، كما ان موسكو بالتأكيد تستخدم اغطية رسمية متنوعة لعملائها، لذا من المحتمل انها افترضت ان ويلان، الحريص على زرع أصدقاء روس، كان جاسوساً. 
 
مخاوف وصفقة جيدة
يصعب عدم افتراض وجود علاقة لميلان مع قضية ماريا بوتينا، التي لم تكن متهمة لا بالتجسس الصريح ولا بالضغط الممنوع البسيط لكنها اتهمت تحت عنوان “التجسس الخفيف”، وهذه التهمة تستهدف “عملاء الحكومات الاجنبية” والتي تعرّف باولئك الذين يوافقون على العمل داخل الولايات المتحدة الاميركية ويخضعون لسيطرة حكومة اجنبية او توجيه مسؤول اجنبي وهذا التعريف واسع النطاق.
ان الاعتقالات المتبادلة مع ابقاء العين مفتوحة على مقايضة مستقبلية للسجناء كانت، وعلى مدى طويل، جزءاً من عالم الاستخبارات الروسية، فالجواسيس في النهاية يعتمدون بقوة على فقرة العودة لبلدانهم. 
لكن غير الاعتيادي هو تحفظ موسكو النسبي، فمن المعتاد وخلال 24 ساعة تغطي القنوات التلفزيونية الصديقة لقطات لضباط مقنعين من جهاز الامن الفيدرالي الروسي وهم يقومون بالاعتقال، وكان من المفترض وجود صور لويلان وهو يتسلم  فلاشاً لحمل بيانات، وكان من المفترض ان تصدر وزارة الخارجية الروسية تصريحاً مبرراً للادانة كي تكون مادة الخبر الرئيسة في ذلك
اليوم.
 
طرفا الصراع الروسي
ومع هذا وبعد تصريحات روتينية قليلة، كان هناك اهتمام اعلامي ضعيف مثير للدهشة خصوصاً من الصحف الحكومية الرصينة. ورغم أنها تخمينات فقط، ففي السابق كان الصمت يدل على وجود خلافات داخل الحكومة تدور خلف 
الكواليس. 
فمن غير المحتمل ان يكون جهاز “أف أس بي” بحاجة لبحث رأي الحكومة قبل القيام بالاعتقال، فلكل من الطرفين الرئيسين مخاوفه الخاصة عندما يتعلق الامر بعلاقة روسيا مع 
الغرب.
دعنا نسمي الاولى “لوبي كأس العالم” التي ترغب بتشجيع السياحة والترابط والقوة الناعمة، يقابلها ميل بيونغ يونغ مع اولئك الذين يعطون الأولوية للامن والعزلة.
فبالنسبة للطرف الأول يعتبر الوضع مشكلة، فهم ينظرون الى سمعة روسيا في الخارج، وان مليارات الروبلات التي انفقت على مغامرات القوة الناعمة؛ مثل إقامة بطولة ألعاب سوشي الأولمبية الشتوية في العام 2014، ومسابقة كأس العالم للعام 2018، ضاعت كلها بسبب مثل تلك الاحداث الصغيرة. 
وبالنسبة للطرف الاخر، قد تكون فرصة، فهم ينظرون الى سمعة الكرملين في الداخل وهذا ما يعزز روايتهم عن عالم معاد يسعى لنسف مكانة روسيا العالمية وامنها
الوطني. 
وتبدو عملية مبادلة بوتينا صفقة جيدة بالنسبة للطرفين، فإن قرارا سريعا لكي تزاح القصة من نشرات الاخبار يصب في مصلحة الطرف الأول، وهو دليل بأن الاتجاه المتشدد يحقق نتائج للطرف الآخر. لكن افتراض ان ويلان بريء قد يعزز اتجاهاً قلقاً لجعل المدنيين لعبة 
عادلة.ويكاد ان يكون هذا تكتيكا جديدا؛ تجلى في اعتقال الصينيين مؤخرا لكنديين اثنين بعد احتجاز المسؤول المالي لشركة هواوي التقنية في مدينة فانكوفر الكندية، بعد طلب تسليم اميركي. 
لكنها ايضا طريقة فاترة في عصر التكنولوجيا والسفر السهل والتواصل السلس الذي يجمع الشعوب معا. ومن جهة اخرى بالنسبة لميل بيونغ يونغ التي ترى بالفعل ان التهديد السياسي والتجانس الثقافي بانتشار القيم الاجنبية وتأثيرها على روسيا، قد يكون ذلك هو الهدف.