مورفين أحمر

ثقافة 2021/04/12
...

 رياض المعموري 
 
لم تعد الرواية نوعا من أنواع الحكايات والقصص للتسلية وقضاء الوقت وهي كانت تمثل مظهرا من مظاهر المجتمع البرجوازي، الرواية اليوم تحمل رسائل فكرية وفلسفية متنوعة منها ما يخص المجتمع وعاداته وتقاليده ومشكلاته وامراضه الجنسية والنفسية بحسب فرويد، بل حتى مشكلاته السياسية والاقتصادية وكذلك أزمات الحروب والدمار والتهجير والنزوح.. الخ، وأغلب العلاقات العامة والإنسانية وعلاقات الحب ومشكلات الشباب والمرأة والطفل والزواج والطلاق والأرامل واليتامى.
وبعد مرور مئة عام من ظهور السينما صار سهلا على الراوي العليم أن يكتب الرواية بسهولة، لأنه وببساطة يتخيل ذهنيا أحداثها وبعد ذلك يترك الأمر لقلمه أو لجهاز الحاسوب الالكتروني، وهذا ما سنبحثه في رواية مورفين أحمر للسورية مجدولين الجرماني الصادرة عن دار سين للطباعة والنشر في دمشق.
من بين مصادر السعادة الثلاثة (الحب- مكاسب الأنا- الإرضاء الجنسي) قيل لنا إن الحب ليس الا شكلا من الجنس كف عن الوصول لهدفه، وقد قدم لنا العلم الحديث وخاصة التحليل النفسي هذه المعلومة، فالدافع الجنسي - تبعا لفرويد- انحرف عن غايته الأصلية.. إن ايمان فرويد الراسخ بأن الحب والعاطفة والصداقة هي أيضا جنسية في منشئها يستند لخبرة مفادها بأن من الممكن اكتشاف نزعات جنسية تفعل فعلها بصورة لا واعية فيما ندعوه الحب النقي.
من الممكن أن نجد هذه المكابدة الجنسية التي كفت عن بلوغ هدفها حاضرة في حنان الآباء تجاه ابنائهم والأبناء تجاه آبائهم، وفي الصداقة بين شخصين من نفس الجنس. إذ يؤكد خصوم التحليل النفسي أن الجنس يلعب دورا مفرطا في نظرية فرويد، فعندما يتم تضخيم فكرة الجنس بحيث يشتمل على الحنان والغرور والطموح والعاطفة وكثير من دوافع الأنا، لن يبدو الدور مفرطا، لكن السؤال هو: هل هذا الاشتمال ممكن الحدوث؟
فرق البشر دوما بين الحب والجنس، ولم يختلط الحابل بالنابل إلا مع التحليل النفسي، فتسمية الحب والحنان شكلان من الجنس لا تجعلهما جنسيين، والمطابقة بين العاطفة والجنس باستخدام الاسم ذاته لكليهما، لا تجعل منهما الشيء نفسه.
كان فرويد قد حذر أتباعه من أن يأخذوا كلمة جنس بمعناها الحرفي، وحاول اقناعهم أن كل المشاعر من عاطفة وحب. إذ وجد آثارا للرغبة الجنسية اللا واعية في الحنان والصداقة، فهل يثبت هذا وجهة نظره؟!
إن ثمة هواء في المقعد ايضا، فهل نقول إن المقعد مصنوع من الخشب والهواء؟!
إنَّ كون الحب غالبا ما يوجد متحدا وملتحما بالجنس؛ لا يعني أنهما من طبيعة واحدة.. الألفة لا تعني التماهي، ويمكن أن تشبه عيونك عيون شخص آخر لكنك لست هو، ويمكن أن يكون جورج رجلا ليس من أسرتك. فبين الحب والجنس فروق حاسمة تجعل من غير المحتمل أن يكونا من أصل واحد.. تتجلى هذه الفروق على أفضل وجه عندما تتعارض كلتا الظاهرتين في شكليهما الأنقى، واليكم بعض الأمثلة:
الجنس حافز بويولوجي نتاج للكيمياء العضوية، أما الحب فتوق انفعالي شديد من ابداع خيال الفرد، في الأول طلب للإشباع الجسدي، أما في الآخر فسعي وراء السعادة، كما أن الجنس يُعنى بخيار الجسد، بينما الحب فخياره الشخصية، للجنس معنى عام، وللحب معنى شخصي، الأول نداء الطبيعة، والثاني ضرورة ثقافية، الجنس مشترك بين البشر والبهائم، أما الحب والغرام فقد ظل مجهولا آلاف السنين لدى بني البشر، ولا يزال مجهولا بالنسبة لملايين منهم الى الآن، الجنس أعمى لا يميز بين شخص وآخر، أما الحب فموجه نحو شخص بعينه، الجنس درامي، والحب غنائي.
كثير من الرجال وعدد أقل من النساء يخلطون بين هاتين الحاجتين، عندما يتحد الحب والجنس ويتجهان نحو الموضوع ذاته، يكون من الصعب أحيانا معرفة أي من الحاجتين يحظى بحصة الأسد، إذاً كيف أمكن لنظرية فرويد - التي اعتبرت الحب نوعا من الحافز الجنسي المستبعد - أن تحظى بكل هذا القبول؟!
هكذا ناقشت شام (هيرا – الاسم الآخر لشام والمأخوذ من الأساطير الإغريقية وهي الغيورة على زوجها-) بطلة الرواية أمور الجنس والحب في المجتمع وهي تبث رسائلها من خلال علاج نساء الرواية/ المجتمع واغليهن يعانين مما نسميه الطلاق العاطفي بالنسبة للمتزوجات، وأغلب المجتمعات التي عانت من الحروب مرت بكل ما حصل في أحداث الرواية، قسمت الجرماني وهي راوية عليمة أحداث وشخصيات الرواية على عدة عناوين فرعية لتسهيل مهمة التلقي على القارئ وهي طريقة مشجعة لفهم احداث الرواية بكل أريحية، مستخدمة تقنية ضخ المعلومات على شكل دفعات لتسهل الغرائبية التي بدأتها وبطريقة سرد شعرية عن تحول شام من كوكب آخر إلى كوكب الأرض، لتصبح بشرية ومعالجة نفسية للمشكلات العاطفية والزوجية الجنس نفسية لنساء الرواية العاشقات، رواية مهمة جدا وكبيرة الفكر والثقافة والوعي، وأخيرا هل قدمت شام مورفينها الأحمر لنساء الأرض المعذبات؟ لا أعتقد ذلك.