أ.د. محمد حلو الخرسان
لقد أثبتت التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العراق، أن من أكثر المشكلات الاقتصادية والإدارية والمالية إلحاحا للعلاج يكمن في الموازنة، وذلك لأن تخلف أسس تخطيط وإعداد الموازنة العامة جعل من هذه الأداة وسيلة روتينية، حدت من الإسهام بفاعلية في تطوير كفاءة الأداء الاداري.
وان الموازنة: عبارة عن وثيقة تصب في قالب مالي قوامه الأهداف والأرقام، أما الأهداف فتعبر عما تعتزم الدولة القيام به من برامج ومشروعات خلال فترة مقبلة، وأما الأرقام فتعبر عما تعتزم الدولة إنفاقه على هذه الأهداف وما تتوقع تحصيله من مختلف مواردها خلال الفترة الزمنية، المنوه بها وهي عادة تحدد بسنة مالية.
وقد فرضت ظروف مالية الدولة الحديثة ضرورة الإشارة إلى مدى ما يمكن أن تحدثه الموازنة من آثار اقتصادية واجتماعية وسياسية، فالموازنة تمثل الإطار الذي تنعكس من خلاله خيارات الدولة لأهدافها وأداتها إلى تحقيقها.
إلا انه ومع تدخل الدولة في مجالات النشاط الاقتصادي وانتشار فكرة التخطيط واستخدام الأدوات المختلفة للتأثير في الحياة الاقتصادية، برزت أهمية الموازنة العامة كأداة لتحقيق أهداف المجتمع، خاصة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فاختيار الدولة لنفقاتها وإيراداتها قد يحول دون تحقيق أهداف المجتمع، إذا لم يكن هذا الاختيار نابعا من نظرة شاملة لجميع الآثار المتبادلة بين الظاهرة المالية وظروف البيئة المحيطة بها.
ولأن الموازنة هي خطة أو برنامج عمل تقدمه الحكومة إلى مجلس النواب، تترجم فيها سياستها الاقتصادية والاجتماعية إلى أهداف سنوية رقمية، وليست مجرد برنامج عمل خاص بوزارة المالية يبين الكفاءة في إدارة الأموال وحسب، ولا تتقرر فعالية الموازنة بذاتها فقط، بل تقاس بالنتائج الاقتصادية والاجتماعية وليس بالنتائج المادية فقط.
وفي موازنة 2021 لم تتبين لنا الرغبة المقرونة بالافعال، لايجاد حلول واقعية مقبولة للمشكلات الاقتصادية في العراق، وكم تمنينا ان يكون التأخير لاقرار الموازنة والنقاش والاجتماعات المتواصلة والشد والجذب لتحقيق الهدف اعلاه، وان ذلك لو حصل فإنه يشكل حالة ايجابية لصالح اقتصاد البلد، ولكن للاسف تركز الجدل والنقاش والتصريحات حول أمور جانبية.
تكمن المشكلة الاساس في موازنات العراق للسنوات السابقة في اعتمادها الجانب الريعي (النفط) بشكل كبير جدا يصل الى 93 بالمئة من اجمالي الايرادات، رغم الكلام الكثير الذي قيل وكتب وتمخضت عنه الورش والمؤتمرات والندوات، ولكن من دون رغبة سياسية فعلية، لذلك تسعى لتفعيل موارد اخرى غير النفط لتمويل النفقات.
والمشكلة الاساسية الثانية في حجم الانفاق الكبير غير المبرر والمتزايد سنة بعد اخرى، رغم الدعوات المتكررة لترشيد الانفاق ولكن ذلك الترشيد يصطدم بعقبات يصعب تجاوزها، ليبقى التخفيض مجرد كلام وامنيات غير معززة باجراءات فعلية وارادة قوية.وعند مناقشة الرقم الكبير للنفقات في موازنة 2021 والبالغ (129,993,009,291) الف دينار نجد أن معظمه مخصص للنفقات التشغيلية، اذ إن النفقات المخصصة بشكل فعلي للاستثمار أقل من 17 بالمئة من اجمالي النفقات، وهذا مؤشر سلبي ولا يحقق اهداف الموازنة الاساسية في ايجاد حلول للمشكلات الاقتصادية.
ان قادة البلد يجب أن يفكروا بالحلول السريعة والابتعاد عن الاجراءات الترقيعية، التي تعالج (او تحاول ذلك) المشكلات الاقتصادية، من خلال زيادة التعيينات والعقود وزيادة تخصيصات لرواتب واعداد المشمولين بشبكات الرعاية الاجتماعية، وهذه تعقد المشكلات الاقتصادية، بدلا من ايجاد الحلول الناجعة لها.
ان الحلول الفعلية تكمن في زيادة نسبة النفقات الاستثمارية، التي يمكن من خلالها تشغيل المصانع الكبيرة المتوقفة وتفعيل المبادرات الاقتصادية بالتخصيصات الكافية، بدلا من مجرد الكلام، بما يسهم في اقامة مزارع تعاونية ينخرط فيها عدد كبير من الخريجين في تخصصات الهندسة الزراعية والدبلوم الفني الزراعي واعداديات الزراعة، وعدد كبير من العاملين باستغلال جيد للمساحات الشاسعة للاراضي الصالحة للزراعة، والمياه التي وهبها الله للعراق والتي لم تستغل بالشكل الامثل، يضاف الى ذلك دعم وتشجيع القطاع الخاص المنتج ليتحقق من خلال ما تقدم محاولة تحقيق الاكتفاء الذاتي للمنتجات الصناعية والزراعية والانشائية، بما يقلل الاستيراد الخارجي واستنزاف العملة الصعبة.