طيف عائلة رواية المصادفات السعيدة

ثقافة 2021/04/13
...

   باسم عبد الحميد حمودي
الكاتبة  (زهراء طالب حسن) روائية وقاصة محترفة، أحسنت اقتناص الجوائز الأدبية في السرد مرارا لخبرتها، وقدرتها على معرفة أسرار التجسيد السردي للفكر الانساني.
عشر جوائز في سنتي 2018و2019 على صعيد العالم العربي ليس بالامر السهل لكاتبة بدأت نشر أول عمل روائي لها (سوسنة بين الثلوج) في مصر عام 2018.
صحيح أن بعض هذه الجوائز كان تشريفيا بحصولها على المراكز المتقدمة في التقويم، لكن الاكثر كان الحصول على المركز الاول في جوائز توفيق بكارللرواية 2019 والمركز الاول في مسابقات.. متعددة خلال عامين.
ذلك يعني امتلاكها أسلوب السرد الناجح والمقنع، والقدرة على اختيار موضوعات ملائمة اجتماعيا وفنيا تستطيع خلالها تأشيرالقدرة على انتباهة النقاد والفاحصين الاخرين في هذا الكم من المسابقات.
الرواية التي نحن بصددها (طيف عائلة) أصدرها اتحاد الأدباء في العراق هذا العام، وكانت ضمن القائمة الطويلة في مسابقة راشد بن حمد الشرقي للابداع العربي للروايات غير المنشورة للشباب في دورته الأولى عام 2019.
تصور الرواية تجربة عائلة عراقية قررت الهجرة ونفذتها في أعوام  الجوع والاحتراب المجنون ضد العالم الذي لم يقصر في معاقبة الشعب العراقي بتشديد الخناق عليه قبل سبعة وعشرين عاما، بحيث اضطر رب الأسرة (سامي) لبيع محله الجميل للإنارة وبيته وسيارته لينتقل واسرته الى مدينة كالجري في كندا حيث قبل لجوء الاسرة.
أفراد الأسرة، فضلا عن سامي هم السيدة (أمل) زوجة سامي وعمرها يقترب من الخمسين وقد صار اسمها في كندا (السيدة سام)، وثلاثة أولاد هم عامر وآدم  وحسان وبنت واحدة (سارة)، وقد أخذ كل واحد منهم اتجاها خاصا في الحياة اليومية، انسجاما مع الحياة الجديدة في بلاد الغربة ولكن... لم يكن الأمر ناجحا لدى أكثر أفراد هذه الأسرة.
أولى الانهيارات تمت على يد كبير الاسرة، مهندس الإنارة سامي (الذي صار اسمه سام) فقد اختار حياة الضياع والعبث، وفهم الحرية الجديدة أنها أن يتجاوز حدودبيته ويصحب غانية أو أكثر الى داره، وهي دار مشتركة له ولزوجته وأسرته.
سبب حرص سامي على العبث بطرده من المنزل بحكم القانون، إذ تم طلاقه وانفصال  السيدة (أمل- سام) عنه بحكم القانون.
 الابن الأكبر يعمل في مجال الترجمة والبرامجيات والدكتور في الطب(آدم) خرج من داره الى عالم آخر عقد فيه زواجه على مثلي مثله نتيجة لانهيار نفسي داخلي أصيب به منذ صباه، أحسنت الكاتبة في تصوير تفاصيل ذلك الانحراف والانهيار الذي تم نتيجة هوس العائلة بالحرية وسوء التوجيه 
والمراقبة.
كانت (سارة) بنت الأسرة الوحيدة قد اتخذت موقفا وسطا بين الاحتفاظ بحريتها الفردية واستقلالها عن البيت في اختيار مدينة أخرى للعمل فيها، وفي المحافظة على السلوك الشرقي الملتزم في العاطفة والطباع المتحفظة تأثرا بوالدتها.
كان المعادل الموضوعي لتهتك الوالد وانحراف آدم الجنسي، انحراف الابن الآخر (حسان) ودخوله عالم دوامة الكراهية للحضارة الجديدة، اتخاذه التطرف الديني وسيلة غريبة للاحتجاج، كان أن انصرف حسان هذا الى الارتباط بمجموعة إرهابية، على يد صديقه أحمد الذي شاركه في العمل التنظيمي وفي التدريب على استخدام السلاح لينتقلا معا الى أفغانستان للعمل مع طالبان لفترة.. ثم لينتقلا للعمل في العراق...وفي بغداد بالذات.
هنا تقع الرواية في دوامة غريبة من المصادفات ومنها:
- قرار السيدة أمل (سام) السفر الى بغدداد بعد نحو ربع قرن على مغادرتها واصطحاب أفراد الاسرة كافة..عدا حسان الذي لم يره أحد إلّا في النهاية!
- قام ابن الأسرة الشاذ (آدم) بتحمل نفقات السفر واصطحبت (أمل) زوجها سامي معهم ليحلوا في بيت العمة ببغداد، وتتم اتفاقات على زواجات متبادلة بين افراد الأسرتين.
- تقرر سارة البقاء في بغداد بعد زواجها من ابن عمتها (وائل) للخلاص من ذلك التمزق بين مجتمعين، في حين تقرر (ريهام) ابنة العمة السفر مع زوجها(عامر) ابن السيد سامي –أمل، في رحلة التوق الى حياة جديدة.
- تكون حياة الارهابي حسان مع صديقه أحمد مثار شدة ولين تشحب بوضوح صورة أحمد الارهابية التي لاتقتل فقط ما اعتبرهم أعداء الاسلام بل تسلب النساء وتبيعهم في سوق النخاسة، ينتهي الأمر باستعداد حسان للقيام بتفجير وسط بغداد ينهي فيه حياته للتخلص من أزمة شخصية كبيرة، وقبل قيامه بالتفجير وبالمصادفة التي رسمتها الكاتبة يحيط به  أفراد أسرته جميعا وهو يستعد لتفجير نفسه وسط الناس، وتبدأ لغة العتاب والتراجع وإقرار الأب  بسوء تربيته لاولاده، ثم يقوم ضابط متخصص بفك مفتاح التفجير لانقاذ الناس الفرحين بالخلاص من الشر، فيقوم قناص من الارهابيين بقتل حسان وسط أسرته، وإبلاغ أحمد، امير الجماعة بقتل صاحبه القديم فيقرهم على ذلك وهو يقوم بحساب الارباح من بيع 
السبايا!.
تنتهي الرواية بهذه الصيغة الصادمة التي لاتملك لها خيارا الا الدهشة لقبولها،ويكون السؤال عن شخصية (آدم) مشروعا، فقد تحمل كل نفقات هذه الرحلة وظل بهيا لم ينله خدش ما...حتى لحظة المغادرة التي بدت منطقية قادمة تطرح سؤالين، أولاهما هل (آدم ) هو الحل أم (حسان) أم هي الحياة الاجتماعية المنطقية؟.
 الجواب واضح لكن الكاتبة ألزمتنا في نطاق تسويات اجتماعية شح فيها البناء الابداعي.
في الرواية تفاصيل كثيرة تستحق النقاش منها بدء غواية آدم وضعف الاب وضياع حسان، ولكل شخصية نوازعها وفلسفتها واسبابها ممايستحق وقفة ثانية 
متأنية.