عدوية الهلالي
حالات مستعصية
لم يمض على زواجها إلا عام ونصف العام حتى طلبت الطلاق من زوجها بعد ان فشلت كل السبل الممكنة لإصلاح علاقتهما ،عرض عليها الحب والزواج وهي في المرحلة الثانية من الدراسة الجامعية..ظاهريا ، كانت فرصة جيدة لها ولأهلها فهو موظف في احدى الوزارات ويكبرها بعدة سنوات ولديه سيارة حديثة وجناح خاص في منزل اهله مع وعد بالانتقال الى منزل منفصل بعد عام من زواجهما ..اشترطت (سارة ) اجراء الخطوبة فقط ثم الزواج بعد اتمام دراستها لكنه ألح بوجوب الزواج حفاظا على شرعية علاقتهما امام الاخرين فهو - متدين جدا كما بدا عليه –
بعد الزواج ، تغير كل شيء فيه..كان دكتاتورا ومريضا بالشك لذا عمد الى تغيير مظهرها كليا ومراقبة تصرفاتها وهاتفها الشخصي واغراضها ثم ارغمها على الانجاب مبكرا ليجبرها بعدها على ترك الدراسة ..ذات يوم ، ضربها في الشارع حين عثر على زجاجة عطر في حقيبتها فلم تجد بدا من الهروب الى اهلها وترك طفلتها والمطالبة بالطلاق بل تخلت عن طفلتها لأنها تذكرها به ..بالنسبة لـ(سارة ) ، كان الثمن وحدة وعزلة ستعيشها لما تبقى من عمرها لأنها باتت تكره فكرة الزواج برمتها وتتألم لمصير ابنتها ، وترى سارة ان على الآباء الا يتعجلوا بتزويج بناتهم وان يسألوا جيدا عن طباع العريس ولا تغريهم حالته المادية .
واذا كانت سارة خرجت من تجربة الزواج وحيدة فان على ابتسام ان تتحمل مسؤوليات جديدة وهي تستغرب ان يقول البعض ان الطلاق هو نهاية المشاكل وتعتبره بداية لها ومدخلا للمعاناة الحقيقية للمرأة التي لديها اطفال ويجبرها الطلاق على اعالتهم وتربيتهم لوحدها في زمن يحتاج الى الشدة والحزم والمتابعة الدائمة ..وكانت ابتسام قد حصلت على حضانة اولادها الذين تتراوح اعمارهم مابين 6-13 عاما بهدف ابعادهم عن والدهم المدمن على تناول الكحول وخصصت لها المحكمة نفقة شرعية لا تكفيها ابدا لتوفير جميع متطلبات اولادها المعيشية والدراسية ..لأجل هذا كله تنصح ابتسام جميع النساء الا يفكرن في الطلاق الا اذا عجزن تماما عن الاستمرار مع الزوج –أي في الحالات المستعصية تماما على الاصلاح – لأن ما ينتظرهن بعد الطلاق ابشع بكثيرمما يحدث قبله .
خراب الذمم
قد تعثر بعض المطلقات على فرص جديدة بزواج ثان لكن هذا الامر لاينطبق على الكل فما تزال نظرة المجتمع قاصرة الى المرأة المطلقة فضلا عن خشية اغلب المطلقات من حرمانهن من اولادهن في حالة زواجهن ثانية .. المعلمة رباب التي طلقت من زوجها بعد عشر سنوات وانجبت له فيها ولدين ،تصف المطلقة بانها انسانة مظلومة في مجتمعنا ووفق قانون الاحوال الشخصية ايضا فهي انسانة مضطهدة ومسلوبة الحقوق في كل الاحوال لأن المجتمع يظلمها ويقيد حركتها ويعتبر زواجها الثاني جريمة ، اما القانون فيرغمها احيانا على الطلاق مع منحها نفقة لا تكفي لإعالتها واطفالها او يحرمها اصلا من اطفالها ..وتتهم رباب المحامين بالتلاعب بالقوانين لكسب قضايا الطلاق وتدمير حياة النساء .
من جهته ، يؤيد المحامي (رضا العامري ) ما ذهبت اليه رباب اذ اصبحت دعاوى الطلاق مصدر رزق للمحامين والمحاميات وكاتبي العرائض الذين يتفقون مع المحامين بالترويج لهم وتوزيع ارقام هواتفهم على المراجعين للحصول على مبلغ معين ..واذا كان هذا الاسلوب مقبولا من باب المنافسة بين المحامين فان قيامهم باقناع الزوجة برفع اكثر من دعوى قضائية على ازواجهن للحصول على اجور اكبر تدل على خراب الذمم لاسيما ان اجور الدعوى الواحدة قد تصل احيانا الى مليون دينار او اكثر ..ويشير العامري ايضا الى غياب دور الباحثة الاجتماعية التي تتحمل مسؤولية اصلاح ذات البين بين الزوجين مؤكدا تاجيج الخلاف عن طريق المحامين وتدخل الاهل بدلا من محاولة تذويبه .
وتدافع الباحثة الاجتماعية شيماء احمد من محكمة الكرخ عن دورها الذي لا يتعدى محاولة تقريب وجهات النظر بين الزوجين ثم كتابة تقرير الى القاضي يبين اسباب الاصرار على الطلاق فيقرر بدوره وقوعه او رفضه مشيرة الى ظهور اسباب قاهرة تدعو الى الطلاق في العراق في السنوات الاخيرة كالعامل الاقتصادي وبطالة الزوج او ضعف الوعي الديني والاجتماعي والتحلل الاسري الذي رافق دخول معالم التكنولوجيا بعد عام 2003 كالقنوات الفضائية والهاتف المحمول والانترنت والتي تسهم الى حد كبير في زرع بذور الخلافات الزوجية ما يقود غالبا الى الطلاق ...ولاتغفل احمد الاشارة الى الزواج المبكر وما يترتب عليه من نتائج وخيمة او الزواج بالاكراه بسبب العامل المادي او العشائري فضلا عن تدخل الاهل في الخلافات الاسرية بشكل سلبي .
الأنواع السائدة
ويعود المحامي العامري لإيضاح انواع الطلاق التي تقود المرأة الى النفق المظلم وهي الطلاق التعسفي وهو الذي يطلبه الزوج او ينطقه وهو اكثر الانواع ضمانا لحقوق المرأة وفق الشرع والقانون حيث تتم معادلة المهر المؤجل للمرأة في عقد الزواج المكتوب بالذهب وحسابه وفق سعر الذهب الآن بينما يوجه بعض المحامين موكليهم من الرجال بالمماطلة ودفع المرأة الى طلب الطلاق ليحصل عندها التفريق وهو النوع الثاني من الطلاق حيث تخسر المرأة فيه حقوقها وهو اكثر الانواع السائدة في مجتمعنا اليوم ..اما النوع الثالث فهو المخالصة ويتم باتفاق الطرفين ويتم حسم القضية في جلسة واحدة ، وهناك بعض الحالات التي يحدث فيها التفاف على القانون من قبل بعض المحامين لكي لا تاخذ المرأة حقوقها بتزوير حقائق عن الزوج وضعف حالته المادية وبالتالي ضياع حقوق المرأة التي اقرها الشرع والقانون الذي يحتاج اليوم الى التعديل والتغيير بشكل جذري .
ومن المعروف ان العراق شهد ارتفاعا هائلا في نسبة الطلاق في الاعوام الاخيرة وصار يمكن ان نشهد مابين 20 الى 50 حالة طلاق يوميا في بعض المحاكم –حسب القاضي احمد العزاوي –الذي يعزو سبب ذلك الى تغير المفاهيم الاجتماعية بعد عام 2003 واقرار الكثير من العوائل لضرورة الطلاق واعتباره مسألة عادية ،ويشير القاضي العزاوي الى صعوبة الحصول على ارقام واحصائيات دقيقة حول العدد الكلي لحالات الطلاق لكن احصاءها في كل محافظة يدل على ارتفاعها الهائل وتحولها الى ظاهرة خطيرة تهدد حياة النساء العراقيات .
ولاتعبأ المطلقة انوار بهذه الاحصائيات وما يترتب عليها لأنها ترى المستقبل مظلما منذ طلاقها وتتألم لحال النساء المطلقات اللاتي حصلن مؤخرا على رواتب من دائرة الرعاية الاجتماعية لا تكفي لسد حاجاتهن المعيشية مثلما لا يكفي الدعم المادي لتعويض الضرر العاطفي والنفسي المتولد عن الطلاق .