المسؤول أم المؤسسة؟

آراء 2021/04/14
...

 نوزاد حسن
 
قبل سقوط النظام السابق بعامين او ثلاثة استمعت الى تقرير بثته اذاعة البي بي سي البريطانية عن سؤالين وجههما مراسل الاذاعة الى عشرة بريطانيين، السؤال الاول هو: ما اسم وزير الداخلية البريطاني، اما السؤال الثاني فكان: من هو صدام، تسعة من البريطانيين لم يعرفوا اسم وزير داخليتهم، لكنهم جميعا عرفوا ان صدام.
 حدث هذا قبل سقوط ذلك النظام البشع، لا اتذكر بالضبط ما الذي فكرت فيه آنذاك وانا استمع لاشخاص من بريطانيا لا يعرفون اسم وزير الداخلية الذي صنع لهم عالما آمنا، لكنهم يعرفون رجلا مغامرا يهوى لعبة الحرب الى الحد الذي شاهده فيه العالم.
  أنا اتساءل هل فاتني شيء ما لم انتبه اليه في تقرير البي بي سي؟ في الحقيقة لا اعرف، اما اليوم فأنا اعرف جيدا الذي حصل، وكيف كنا بعيدين عن صناعة نظام حقيقي، ناهيك عن صناعة انسان مشتت الذهن.
 لم يصل صدام الى اسماع البريطانيين الا بصفته شخصا ابتلع مؤسسات كاملة، هذا يعني ان تجربتنا السياسية معه لا يمكن ان تنتهي بزواله، هناك درس سياسي علينا ان نتوقف عنده، كي لا نكرر تجربة ابتلاع المسؤول لعمل المؤسسات بحجة انه يقوم بوظيفته، اننا في الحقيقة امام مهمة خطيرة جدا قد تنتهي بمزيد من الخسائر ان لم ننتبه الى دور المؤسسات الحكومية في حياتنا.
 ما الذي حصل لوزير الداخلية البريطاني الذي لم يعرف اسمه مواطنوه القريبون منه، ببساطة ذاب في خضم عمل المؤسسة، اختفى شخص وزير الداخلية خلف لائحة قوانين تنظم عمل المؤسسات جميعا، وحين تكون الحياة خاضعة للقوانين، والرقابة، والمحاسبة يكون العقل البشري سعيدا، والسعادة كما اظن هي صناعة بكل معنى الكلمة، ان الحكومة الناضجة هي تلك الحكومة التي تشعر الناس بانهم موجودون في مكانهم الصحيح، اما الحكومات غير الناضجة فهي التي تبتلع كل شيء، وتحول البلد الى مادة مهضومة، لذلك ما زلنا نتحدث عن رجال سياسة وقادة وشخصيات، لكننا لن نصل بعد الى دولة المؤسسة التي تحول الفرد الى مواطن يستحق هذا اللقلب الرائع. 
  اذن ليس بدعة ان توضع معايير لمعرفة من هي الدول السعيدة ومن الدول التعيسة، القصد من وراء هذه المحاولة واضح جدا، ولا يحتاج الى تعليق.