«فاه» واللغة العربية

آراء 2021/04/17
...

 قاسم موزان
 
في زمن التوهج السبعيني كانت الجامعة المستنصرية تستقبل الاجانب الراغبين في تعلم اللغة العربية وقواعدها في «معهد غير الناطقين بها»، وفق بروتوكلات تعاون بين العراق والدول الاخرى، ومن بين اولئك الراغبين في المعهد شاب فيتنامي ضئيل الجسم نحيف كأنه خرج لتوه من حرب العصابات مع اميركا، اسمه «فاه» ان لم تخن الذاكرة، كان يتلقى دروسه باهتمام بالغ ويجالسنا في نادي الجامعة وينتبه الى اية كلمة او مفردة ننطق بها ويطالبنا بأدب جم بترجمتها الى اللغة الانكليزية وكان يجيدها ويدونها بدفتره الصغير، ويسألنا ويستفسر عن كل شاردة وواردة ترد في احاديثنا المتشعبة حتى بدأت لغته العربية تنمو شيئا فشيئا، وانقطع «فاه» نحو عام عن المعهد وعاد مرة اخرى الى الجامعة وقد فاجأنا بفصاحة لسانه ولغة عربية سليمة بقواعدها والتشديد على حركاتها، والأغرب من ذلك بات «فاه» يستشهد بأبيات من الشعر الجاهلي الصعب وان تلعثم بها احيانا يجهل معانيها مدلولاتها، وأبدى شجاعة في قراءتها، وقد أذهلنا فعلا وقادنا الفضول الى  معرفة أسرار سرعة اتقانه اللغة العربية الفصحى التي نحن اهلها او المحسوبون عليها نتعثر بألفاظها وضبط مخارج حروفها، بعد تردد قال «فاه» أنا من بين مجموعة مرشحين من دولتنا لاتقان اللغة العربية وسوف يقف احدنا في الوسط بين رئيسنا والضيف العربي المحتمل لزيارة فيتنام ويقوم بترجمة فورية بينهما، ومن المخجل ان تفوت كلمة او ينقل معناها بشكل خاطئ، قد تسبب الاحراج للرئيس، فضلا عن ذلك سيتولى اخر بترجمة المفاوضات الثنائية بين فيتنام ودولة عربية، وان فشل الترجمة قد يؤدي الى انهيار جلسة التفاوض، وهذا لايمكن غفرانه او تبريره تحت اي مسوغ كان، وساد الصمت بيننا من الدرس الفيتنامي، هذا الدرس الوطني يحيلنا الى التساؤل المشروع متى نخلق جيلا واعيا يتحمل مسؤوليته الوطنية باتقان لغات آخرى للتبادل المعرفي والثقافي لتضاف الى منجزات الجيل الحالي عوضا عن الفراغ الذي يسودهم؟، وتعد هذه النجاحات ان تحققت من مرتكزات بناء الشخصية الايجابية بعيدا عن لغة الانتقاد الحادة لدرجة القرف، ونحول المقولة «اعرف لغة عدوك» الى «اعرف لغة صديقك في العالم» في ضوء الثورة المعلوماتية الهائلة ونستفيد من معطياتها.