تفاصيل الحياة شعراً

ثقافة 2021/04/17
...

  وجدان عبدالعزيز
 
الشعر عالم لغوي مختلف عن فنون القول الاخرى، كونه لغة انفعالية منغمة، تنبع من وجدان الشاعر وأحاسيسه مرتدية ثوباً من الصياغة الفتية المتلائمة مع الذوق السائد في عصرها، وأنها تثير عواطف سامعيها، فيميلون لها بانجذاب لاشعوري، لحملها متعة جمالية، وتوافر هذه السمات في القصيدة الشعرية يجعلها خالدة ومؤثرة فنيا.. ومن هنا رسم الشاعر حمزة فيصل المردان لوحات شعرية في (تسع قصائد ملونة)، بدأها بالبحث عن الذات من خلال العش غير المقروء الى عوالم البحر ومايسخر به من كائنات حية وغير حية، انه عالم مليء بأحداث متصارعة، يهوج ويموج كحالة مضارعة، سحره جميل مياهه جامعة، عوالمه كثيرة أمواجه دافعة، فكان الشاعر المردان يحمل انفعالاته الانسانية، بينما (أنكيدو..../يبرزُمن ظلمة المجهول/ يحملُ صفحةً باردةً../ خطَّ عليها وصاياهُ/ كي تتسلمها الرياح)، وبهذا الربط بين حاضر واقعه، وبين ماضيه الحامل بالكثير من العبر، وهو يعاني من النفط الثروة المهمة في تطوير الحياة، إذ تتحول الى اداة للموت، هذا التجسيم التقريبي للواقع، كي يرفضه وبانفعال، جعل الشاعر المردان لايقدم هذا الرفض بطريقة مباشرة، انما يقدمه من خلال العرض غير المباشر، ومن ثم الوصول الى النتائج وكل هذا جاء من خلال النسق اللغوي، وبعد هذه اللوحات يعلن عن مشروعه العقلي الاقناعي بقوله:
(قيلَ العراقيُّ الصبيُّ/ الذي زغردت على جثته المنايا/ غيرُ عابئٍ…، حثَّ من خطوته/ ليسقي شجرة الحرية 
بدمه). إن الانسان العراقي كما هو العنقاء يعود كل مرة بقوة، كي يسقي شجرة الحرية، فهو إنسان ليس بالعادي، انما يحمل رسالة لكل الانسانية، ألا وهي المطالبة بالحرية، ولهذا شَهِدَ القرن العشرون محاولات عدّة لتجديد الشعر العربيّ، وكانت مدرسة العقاد ومن فيها من عبد الرحمن شكري، وإبراهيم المازني قد بدأت هذا التجديد الفعلي، وأدخلت عليه تعديلا جوهريا على المضمون، عندما قدمت للقارئ تجربة شعورية تبرز معاناة الإنسان في الحياة، وكيف واجهها بذكاء. وحذت حذوها مدرسة الشعراء المهجريين، فضلا عن مدرسة أبولو، ولكن لم تكن تجديداتهم جوهرية بما يمكن القول عنه مذهبًا، فاستمرت عملية التجديد إلى أن صار التجديد الدرامي والتشكيلي للقصيدة قضية من قضايا الشعر المعاصر، وأنا أرى أن الشاعر المردان يحاول طرح موضوعات مهمة في لغة رشيقة جدا انفعالية تبحث عن جمال المضمون، ثم يقول:
(لست ظلّه…/ هو امتداد، /لما يتدفق من الاحاسيس لحظة الامتزاج النبيل/ في كأس محبته/ التي يتملاها كل مندفع/ ولست صورة مستنسخة منهم/ هم دليل منعة/ وأنا دليل 
قوة).
فكان الشاعر المردان يبحث عن صفات التميز، فهو ليس صورة مستنسخة، ولكنه دليل قوة، وقد يتأتّى الانتصار في منازلة غير متكافئة لمن أدرك مواطن الضعف لدى خصمه واستثمر مكامن القوة لديه، أو استشرف التحوّلات المتسارعة وما تختزنه من انقلابات محتملة في مفاهيم القوّة والضعف. ومن عظات التاريخ أنّ شعوباً مقهورة وظّفت ضعفها المادي في إنجاز انتصارها المجيد على قوة عدوِّها، بالاعتماد على الذات المؤسسة من خلال مزج دلائل العمق الحضاري والاستفادة من الواقع في اتجاه الهدف المطلوب، ومن ثم بناء فضاءات شخصيته الخاصة، إذ تُعد قوة الشخصية والقدرة على التعبير عن النفس من دون التشكيك فيها من نقاط قوتها، إذ يقوم قوي الشخصية بإلهام من حوله ويستطيع السيطرة على المواقف المختلفة، كما يقوم بالتحكم بحياته الخاصة بنفسه، وهناك العديد من الطرق لتعزيز الثقة بالنفس، مثل عدم السعي نحو رضا الآخرين وسؤالهم عن موافقتهم لاتخاذ القرارات الشخصية، فالشخص الواثق من نفسه يتخذ قرارته من دون الحاجة لأخذ الإذن من أحد، وفي المقابل لا ينسى 
أهمية المشورة في القرارات الكبيرة. 
ومن هنا بدأ الشاعر من تجديد الحياة، محاولا الخلاص من الوجع الذاتي والموضوعي وينهض مجددا من اجل مشروعه الانساني العراقي.