باشرت إدارة بايدن رسم خارطة لكيفية عودة الولايات المتحدة الى صفقة إيران النووية. ففي يوم الجمعة الماضي تعهد البيت الأبيض بأن تكون سياسته تجاه إيران متوافقة كلياً مع سياسة الدول الأوروبية التي همشت في عهد إدارة ترامب.المسألة المحورية التي يواجهها البيت الأبيض الان هي إن كان على الولايات المتحدة مقابلة إيران تحركاً بتحرك وإجراء بإجراء كسبيل يعود بالدولتين الى احضان اتفاقية 2015، وهو نهج يؤيده الأوروبيون عموماً
ولكن كثيرين في الكونغرس الأميركي قد يعارضونه. ففي يوم الجمعة الماضي عقد وزير الخارجية “أنتوني بلنكن” والمسؤولون الآخرين الجدد جلستهم الأولى للتداول حول ستراتيجيتهم تجاه الشرق الأوسط، كما شارك بلنكن في حوار جماعي مع الدول الأوروبية، التي كانت أطرافاً في صفقة 2015، وهي بريطانيا وفرنسا وألمانيا.
خلال الإيجازات الصحفية العلنية يشدد المسؤولون في البيت الأبيض ووزارة الخارجية على أن مساعي الإدارة سوف تمضي بالتنسيق مع الحلفاء الأوروبيين، محاولين في الوقت نفسه خفض سقف التوقعات بإمكانية حدوث تحرك سريع.
تقول الناطقة الرسمية باسم البيت الأبيض “جين ساكي” أن الأمر منوط بإيران، فإذا ما عادت الى التقيد التام بالتزاماتها ستفعل الولايات المتحدة الشيء نفسه، وتكون تلك هي نقطة الانطلاق لبناء اتفاقية ارسخ وأبعد مدى تتناول جوانب أخرى مثيرة للقلق، على حد
تعبيرها.
تعد إيران من أشد التحديات التي تواجهها سياسة بايدن الخارجية استفزازاً، فهو يرغب في التعامل مع قادتها ولكنه في الوقت نفسه يبغي تحجيم نفوذها في الشرق الأوسط، حتى المسؤولين الأميركيين المؤيدين للصفقة بوصفها خطوة ضرورية لكبح طموحها النووي يعتقدون أن إيران قوة شديدة التأثير في استقرار المنطقة.
في العام 2018 انسحب الرئيس السابق “دونالد ترامب” من الاتفاق بعد وصفه الصفقة بأنها سيئة للولايات المتحدة، وهو رأي يعارضه بايدن. بيد أن موقف الأخير حين ترشح للرئاسة كان يتمثل بالقاء العبء على إيران، حيث سيتحتم عليها أن توقف نشاطاتها النووية المتعارضة مع ما تلزمها به الصفقة قبل عودة الولايات المتحدة
اليها.
إحدى المسائل الاساسية التي طرحت للنقاش مؤخراً في الولايات المتحدة، دون التوصل الى قرار نهائي، هي إن كان من الاجدى تحريك العملية من خلال خطوات تراكمية متصاعدة ام الاصرار على اتفاقية كبرى واحدة تتخطى حدود البرنامج
النووي.
تقول الإدارة إن اية صفقة لتحرير إيران من العقوبات يجب أن تتضمن كذلك مفاوضات لتقييد برنامجها للصواريخ البالستية وإيقاف دعمها للقوى المتحالفة معها في المنطقة، وهذا هو ما يصر عليه كثيرون في الكونغرس ايضاً.
يقول مسؤول أوروبي، تحدث مشترطاً عدم ذكر اسمه، إن من المبكر الآن الحديث في تتابع محدد للخطوات والاحداث، ولكن من الأهمية بمكان ان يتحرك الأميركيون والدول الأوروبية الثلاث في توافق موحد، فإن فشلوا سيتمكن الإيرانيون من استغلال التشرخات.
أما إيران فتقول إن الكرة الآن في ساحة الأميركيين، حيث صرح ظريف في تغريدة له على موقع تويتر مبدياً استغرابه: “لماذا تطالب إيران، وهي التي صمدت أربع سنوات بوجه إرهاب اقتصادي أميركي وحشي حتى هزمته، بأن تبادر الى إثبات حسن نيتها أولاً؟ الولايات المتحدة هي التي نقضت الصفقة بلا سبب وعليها أن تصلح خطأها قبل أن تتجاوب إيران.»
هدد البرلمان الإيراني بمنع جانب من عمليات التفتيش الدولية ما لم تسقط الادارة الجديدة العقوبات في وقت لاحق من الشهر الحالي، في حين ترمق إدارة بايدن بترقب الانتخابات الإيرانية في حزيران التي يحتمل أن تأتي بحكومة أكثر تشدداً.
رغم كون إيران تسعى اساساً الى رفع العقوبات الاقتصادية الأميركية عنها يقول الدبلوماسيون أن الولايات المتحدة يمكنها اتخاذ خطوات تسهل سير المفاوضات. أحد تلك الخيارات قد يتمثل في رفع الاعتراضات المتعلقة بحصول إيران على قرض من صندوق النقد الدولي لمواجهة جائحة كورونا، وقد سبق لـ”روبرت مالي” مبعوث بايدن الى إيران التلويح بشيء من هذا القبيل في العام
الماضي.
في غضون ذلك عرض الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” ان يكون “وسيطاً نزيهاً” على حد تعبيره في اية تحركات دبلوماسية جديدة بين الولايات المتحدة
وإيران.
رغم ان العودة الى صفقة إيران 2015 كانت ضمن أولويات السياسة الخارجية التي أعلنها بايدن قبل الانتخابات، فهو لم يشر الى الصفقة، او الى اجواء القلق القائمة بشأن إيران، في اول خطاب له مؤخراً تناول السياسة الخارجية.
بعد انسحاب ترامب من الصفقة بدأت إيران بخرق تقيداتها التي كانت تلزمها بها الاتفاقية رداً على ذلك الانسحاب. الانتهاكات الإيرانية، التي تضمنت انتاج مواد يمكن استخدامها مستقبلاً لصنع قنبلة نووية، عقدت المسار امام المفاوضات الى درجة كبيرة، كما يقول احد المسؤولين الأوروبيين ويضيف: إن “اعطاءهم مزيداً من المال الآن من دون الحصول على شيء بالمقابل سيكون صعباً للغاية.” ثم يستدرك قائلاً: “من الممكن للولايات المتحدة وإيران معاً وضع مخطط لما ينبغي ان تكون عليه الخطوات الأولى والمباشرة بشيء من التواصل في ما
بينهما.»
اشتكت إيران مراراً من فرض إدارة ترامب المزيد تلو المزيد من العقوبات على نفطها في اعقاب انسحابها من الصفقة، وبوسع الولايات المتحدة الآن مثلاً أن تخفف بعض تلك الاجراءات وربما حتى السماح لإيران بممارسة التجارة مع آسيا مقابل تراجعها عن خطواتها الاخيرة، مثل خطوة رفع مستويات اليورانيوم الذي تنتجه كمياً ونوعياً.
الخيار الآخر يتمثل في تحرير بعض أموال إيران المتحققة لها من مبيعات نفطها التي كانت تمر عبر المنظومة المالية الأميركية، حين شدد ترامب قبضة العقوبات. بالامكان الآن تمرير الأموال عبر سويسرا، التي حافظت على موقعها كمنفذ مفتوح لمرور تمويل النشاطات الانسانية في
إيران.
/عن صحيفة «واشنطن
بوست»