القاضي عماد عبد الله
نجدُ الكثير من التشريعات ومنها قانون العقوبات العراقي، قد نصت على إعفاء الراشي والوسيط إذا بادر الى الابلاغ او الاعتراف بجريمة الرشوة قبل وصول العلم الـــى سلطات التحقيق.
إنَّ المشرّع في اتجاهه الى اعفاء الراشي والوسيط من العقوبة أراد أن يساعد في كشف الجريمة، التي وإن كانت منتشرة بشكل كبير، الا انها تتم بدرجة عالية من السرية ممــا يصعب الوصول الى مرتكبها وكونها من الجرائم التي تنخر اقتصاد البلد، اضافـــــة الى أنها من الجرائم التي تهدد الكيان الاجتماعي، ومن خلال اعفاء المشرّع للراشــــــي والوسيط يستطيع المجتمع التخلص من الموظف الفاسد، الذي ارتضى لنفسه السير فـــي طريق الرذيلة ولم يحافظ على نزاهة الوظيفة.
كذلك فإنَّ المشرّع اعدَّ اعتـراف الراشي والوسيط اذا وقع البلاغ او الاعتراف بعد اتصال المحكمة بالدعوى وقبل انتهاء المحاكمة فيها عذرا مخففا، رغبة من المشرّع في كشف الحقيقة ونظرة من المشرّع الى ان الخطورة الاجرامية للراشي والوسيط هي اقل بالنسبة لخطورة الموظف المرتشي.
وهذا ما نصت عليه المدة 311 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969بقولها (يعفى الراشي او الوسيط من العقوبة، اذا بادر بابلاغ السلطات القضائية او الادارية بالجريمة او اعترف بها قبل اتصــــــال المحكمة بالدعوى. ويعدُّ عذرا مخففا اذا وقع الابلاغ بعد اتصال المحكمة بالدعوى وقبل انتهاء المحاكمة فيها).
ونلاحظ من خلال النص اعلاه أن هذا الإعفاء قاصر على الراشي والوسيط، ولا يستفيد منه المرتشي فلا يشفع له اعترافه بالجريمة ولا اخباره السلطات المختصة بها، وقد يكــــون ذلك ظرفا قضائيا مخففا يدعو الى الرأفة، فيقضي القاضي بعقوبة اخف من العقوبــة المقررة، ولم تتعرض مادة الإعفاء اعلاه الى المستفيد من الرشوة بانتفاعه من الرشوة المقدمة الى المرتشي، فهل يعفى من العقاب اذا أخبر سلطات التحقيق بالامــر او اعترف بالجريمة؟ فهل ممكن ان نقيس حالته على حالة الوسيط مع انه القانون يخـــص فقط الراشي والوسيط.
في هذا الموضوع اتفق اكثر فقهاء القانون على أن المستفيد في جريمة الرشوة يستفيد من حالة الاعفاء، اذا ابلغ عن الجريمة قبل وصولها إلى السلطات وكذلك يستفيد من العذر المخفف اذا اعترف بالجريمة قبل صدور حكم نهائي فيها، وذلك لان مثله مثل الراشي والوسيط ساعد في اكتشاف الجريمة، فمن غير المعقول ان يكون المركز الذي لم يتوسط بسعيه في الحصول على الرشوة اسوأ من المركز الذي حصل عليها بسعيه.
ويلاحظ ان المشرّع لم يبين الوقت الذي يجب ان يحصل فيه الاعتراف، حتـــــــى يترتب عليه العذر المخفف صحيح انه بين الى قبل انتهاء المحاكمة في الدعوى، لكن هل يعدُّ عذرا مخففا اذا جاء متأخرا بعد اعتراف المرتشي، فانه لن يساعـــــــــــــد اعترافهم على كشف الحقيقة التي برر المشرع من اجلها شمول الراشي والوسيـــط الاعفاء والعذر المخفف.
مع ذلك فإن الراشي والوسيط يستفيدان من الــــــــــعذر المخفف، لان النص جاء عاما والعبرة بعموم النص، واخيرا فان الاعفاء وجوبي تلتزم به المحكمة ولا يشترط ان يطلبه المخبر، كمـــا ان الاعتراف امام محكمة التمييز بعد صدور الحكم لايستفيد من العذر المخفـــــــف اذا ما قدّم الاعتراف ضمن اللائحة التمييزية امام محكمة التمييز، لأن النص كان صريحا بقوله: «وقبل انتهاء المحاكمة فيها».