تصميم الأحلام؟

ثقافة 2021/04/20
...

ابتهال بليبل
 
(أنا لا أصممُ الملابس بل أصمم الأحلام). 
هذا ما يقوله مصمم الأزياء الأميركي الشهير وأحد أثرياء العالم رالف لورين (1939). فالذي يتصفح الآن (البيجات) أو المنصات الالكترونية التي تعرض البضائع المختلفة ويتأمل الملابس العصرية المعروضة، ويرى الطابع الغامض لتصاميم يُفترض أن ترتديها النساء يتأكد أن المصمم لورين كان محقّا وأن هذه الجملة القصيرة جدا تحمل ما بين حروفها كميّة من الحقيقة تدعونا إلى تأملها والوقوف أمامها طويلا.  
هذه المنصات تحرص الآن وكتقليعة جديدة مثيرة للجدل على عرض تصاميم بخصائص جنسية مثيرة لملابس الطفلات والفتيات الصغيرات من (زي مدرسي، بيجاما للنوم.. وملابس داخلية)، والمتأمل لها، لابد أن تنتابه مشاعر قلقلة، متناقضة مشمئزة لا نحو الفتيات أو النساء، وإنما نحو هذه (الموضة) وتصاميمها التي تلمح إلى منطقة المفترض أنها نقية جدا وبعيدة كل البعد عن أي تلميح ملغز.. أو مبطن.
فالموضة تتغير وتتبدل وتستلهم تصاميمها عادة من فضاءات مختلفة وهي دوما محاولة للتكيّف مع الأجساد والثقافات المتنوعة في المجتمع. ومن الطبيعي أن نتساءل عن السبب الكامن وراء ظهور هذه الموجة الغريبة، ولاسيما في وقت ما زالت فيه اضطرابات مثل (البيدوفيليا) تشكل قلقا عالميا مسوغا خاصة وأن حوادث التحرش بالأطفال غير قليلة وتدعو للقلق جدا. 
فـ (البيدوفيليا) من الانحرافات والسلوكيات الجنسية التي تدفع إلى ارتكاب أفعال غير عقلانية بالأطفال، والتفكير في هؤلاء الأطفال ككائنات جنسية متساوية مع البالغين، ولعل ما يزيد الأمر قلقا أن الحيز الآمن للأطفال أصبح مخترقا بسبب وسائل الاتصال الحديثة التي ترافق حياتنا بصورة جنونية.
ولعل أكثر ما يدعونا للدهشة والتعجب هنا، أن المشكلة ليست في دعم هذه التصاميم لفعل التحرش بالأطفال، لكنه الاغراء أو الاستنبات "الخيالي" الذي تحفزه لكل ما يتعلق بمتعة (الجسد، الخيال، الرغبة، الهوية).
إن توجهات هذه التصاميم، تفترض وعيا مقسما. قادرا على الجمع بين ضدين، تلك الأمور المتقاطعة والغامضة من المشاعر. مثلما يحدث عندما يرفض الشخص فكرة إصابته بإضراب (البيدوفيليا) لكنه يجيز لنفسه أن يرتدي ثياب الأطفال بتصاميم ذات دلالات جنسية مثيرة. 
إنّ ملابس الأطفال المثيرة والمخصصة للكبار هي الحد الفاصل بين صياغة المفاهيم والإسقاطات، ففي تصميم الثوب (الزي المدرسي لصغيرة) على سبيل المثال ولدت الرغبة من اتجاهين: (امرأة- طفلة). بمعنى أن الهدف تحويل الرغبة من امرأة إلى طفلة بإلهام وايحاء من تصميم الثوب الذي يعد عنصرا ضمنياً غير معلن في الرؤية لخلل (البيدوفيليا).  ثمة معانٍ عميقة لكل اشكال التجسيد النسائي في ملابس غرف النوم، فالمرأة التي ترتدي ملابس أطفال ذات دلالات جنسية، تمارس نوعا متطرفاً من التماهي الراديكالي مع مرحلة الطفولة.. وإني لأربط هذا بمفاهيم المجتمع النمطية عن أهلية المرأة.
إنّ الطريقة التي نستحدث فيها المتع المرضية، مثل ثياب طفلة بجسد امرأة في الإثارة، تشكل فيها أجساد النساء المعيار الأساس، بينما يُنظر إلى الموضة كشكل من أشكال النزعة الاستهلاكية التي تسوّغ البضاعة لكل مستهلك. نحن نفهم أجسادنا من دون تجزئة وتفتيت عبر ما نرتديه بقناعة مع الوقت.. ومن الواضح أننا بحاجة أن نضع كل موضة أو تقليعة في سياقها الثقافي والتاريخي، إذ لا يمكن أن نفصل اللباس عن دلالات الرموز الثقافية.
وأخيرا .. يبدو أن مقولة (أنا لا أصمم الملابس بل أصمم الأحلام) تحتاج إلى اضافة مهمة وضرورية  الآن.. فهناك من يصمم الكوابيس أيضا...!!