حميد طارش
لم تعد المسؤولية قاصرة على الخطأ أو الانتهاك لحق معين وانما امتد ليشمل التعسف في استعمال الحق ويقصد به «تجاوز صاحب الحق حدود المعقول في استعمال الحقوق الممنوحة له، ويترتب عن ذلك امكانية المساءلة القانونية والعقاب»، وهذه الفكرة جاءت عبر تطور معرفي وأخلاقي واجتماعي لتصبح مبدأً قانونياً واجب التطبيق وان جاء القانون خالياً من النص عليه، ويذكر أول تطبيق له في عام 1577 عندما حكم في فرنسا على حلاج للصوف كان يغني طوال النهار بقصد إزعاج جاره المحامي، وفي التراث العربي ومنذ زمن بعيد يُحكى عن رجل جاؤوا اليه بهر للقضاء على الفئران التي يشكو منها في بيته، فقال لهم لا استطيع ذلك خوفاً على جاره من هروب الفئران الى داره، فيما لو رأت الهر.
ومن معايير التعسف المذكور هي، قصد إلحاق الضرر بالغير، أو عدم التناسب بين الضرر الذي يلحق بالغير والفائدة التي يجنيها صاحب الحق، أو تحقيق مصلحة غير مشروعة من استعمال الحق، والتعسف يختلف عن تجاوز الحق، فهنا يكون التجاوز بحد ذاته فعلا يعاقب عليه القانون، لانه خارج إطار الحق، بخلاف التعسف الذي يكون الفعل فيه بإطار الحق وهو تصرف جائز ومباح لكن الضرر الذي ألحقه بالغير هو سبب المساءلة وليس التصرف ذاته، ولعل أهم ابعاد هذا المبدأ هو البعد الاخلاقي الذي يفترض استعمال الحقوق المشروعة بشكل لا يلحق الاذى بالاخرين، وهكذا وصل تطبيق المبدأ الى العلاقات الزوجية وعدم الاستهانة بإنهائها بطريقة تعسفية ومن دون مسوغ مشروع، وهذا ما عرف بالطلاق التعسفي، فإنهاء عقد الزواج من طرف واحد يتناقض مع عقده بإرادة الطرفين، الايجاب والقبول، وهنا يتحقق التعسف خاصة اذا وقع لاسباب مزاجية أو تافهة كما يحدث اليوم بشكل مخيف بحسب الاحصائيات المهولة لحالات الطلاق، وجميع حالات التعسف، عند ثبوتها، تستوجب التعويض الذي يجبر الضرر المادي
والمعنوي.
ولم يقتصر تطبيق المبدأ المذكور على القانون الخاص في إطار العلاقات الشخصية والحقوق وانما كان اساسه المنطقي وبعده الاخلاقي سبباً لتطبيقه في اطار القانون العام بما يعرف بالتعسف في استعمال السلطة أو الانحراف بها عن غاياتها المشروعة، وان لاتقوم الادارة بأي عمل من شأنه أن يلحق الضرر فقط بالافراد أو فائدة الادارة منه يكون ضئيلاً بالمقارنة مع الاضرار التي سببها للافراد، وللاسف ما أكثر
وقوعها...