رزاق عداي
أغلب علماء الاجتماع يتفق على أن الطائفية هي ليست من جوهر الدين الاصلي، ولا تشكيل طرف عضوي فيه ولا من متبنياته، وان كانت اصطفت بمتون فقهية محددة لدين او مذهب، فهي بالتالي ميل فردي او اجتماعي عصابي متزمت، تتداخل مع مفهومة اعتبارات ذاتية في تفضيل ابناء المذهب نفسه، او الطائفة،على غيرهم من المنتمين الى مذاهب واديان اخرى، ويكون هناك ميل للنبذ والرفض، اي عدم الاعتراف بالآخر بالمعنى الطائفي.
في العراق اخفقت بنية الحكم بعد 2003 الذي اسسته سلطة التحالف المؤقتة والنخبة الحاكمة الجديدة، التي عادت اغلبها من المنفى في ارساء اسس ودعائم متينة للديمقراطية، فالاستناد الى الترتيبات الطائفية الاثنية لتشاطر السلطة التي تشبه النظام في
لبنان.
قسمت هذه العوامل مجتمعة المجتمع العراقي، فعززت الآليات الطائفية لتغانم السلطة في العراق السياسات الطائفية والخصوصية، علماَ ان هذه الآليات غير منبثقة من الدستور العراقي، وأْتت وليدة تسويات سرية بين الكتل والتجمعات السياسية، فالتقت هذه التجمعات حول اهداف سياسية قائمة على اساس انتمائها الاثني او الطائفي، فأتى ذلك على حساب هوية وطنية مشتركة والسياسات التعددية الداعية الى التعايش الذي غالبا ما يشكل شرطا اساسيا للاستقرار، ومن ثمَّ الى مجتمع ديمقراطي، فباتت الوزارات فعليا عبارة عن اقطاعيات اثنية طائفية، وجعلت الخطابات المتمحورة حول الطائفية التي شكلت العداوات السياسية والعداوات بين المجتمعات من الهوية المجتمعية عنصرا اساسيا في المجتمع والسياسات العراقية.
ويعني ان الامن والعدالة الاجتماعية، والمصلحة العامة وفرص العمل اصبحت منتظمة ضمن شبكات مصالح ومحسوبيات قائمة على اساس طائفي، وعلى حد قول احدهم (( ليس للعراق وزارات ومؤسسات بل اقطاعيات تابعة لاحزاب وفصائل )).
من البديهيات ان المواطنة هي التي تفترض وجود دولة، هدفها الرئيس تعزيز القوة المجتمعية، فالسؤال الذي يبرز هنا، اذا كان تمثيل المصالح المجتمعية يعد واحدا من مقومات الديمقراطية، فهل حصل مثل هذا في ديمقراطية العراق؟ الاجابة هي ما لم تخضع القوى السياسية لمتطلبات القوى المجتمعية الفاعلة، تفقد صفتها التمثيلية، فتقضي على اي شرط من شروط الديمقراطية، فاذا لم يحصل مثل هذا الامر عندئذ تنقطع الروابط بين المجتمع السياسي الذي تربطه بالمجتمع المدني وبالدولة معا، ما يميز الاحزاب السياسية الفاعلة في العراق كونها محض تجمعات انتخابية بغطاء
طائفي.
لغاية اليوم فشلت المحاولات لانقاذ النظام السياسي العراقي من داء الطائفية على شاكلة البرامج العابرة عليها او غيرها، والسبب هو البنية الاولى التي تأسست عليها، وعليه يبدو ان لا فرصة سوى التغيير الهيكلي الموائم
للديمقراطية.