جوناثان ميتشي
ترجمة: شيماء ميران
كان المنتدى الاقتصادي العالمي (WEF) الواحد والخمسين، الذي انعقد في الخامس والعشرين من كانون الثاني الماضي، مختلفا جدا. فمن المعروف ان هذا المؤتمر السنوي يُقام في منتجع دافوس بسويسرا لقادة العالم من رجال أعمال وحكومة ومجتمع مدني، وبسبب الجائحة تمَّ عقد المؤتمر عن بعد. ويهدف المؤتمر الذي ضمَّ 1200 مندوب من ستين دولة إلى الاستجابة للاحداث المروعة في العام الماضي، وكان عنوانه "سنة مصيرية لإعادة بناء الثقة" وعُقد حول "إعادة التنظيم الكبير"، الذي اطلقه كلاوس شواب مؤسس (WEF) والامير جارلس في العام الماضي. وصاحب هذا الاجتماع احداثا افتراضية في 430 مدينة من جميع انحاء العالم، للتأكيد على حقيقة اننا نواجه تحديات عالمية تتطلب حلولا واجراءات عالمية.
ما يؤكد بأنه من المرجح أن تتزايد آثار الوباء بسبب التهديدات العالمية الكبيرة الاخرى، كالازمة المناخية والمالية وعدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية. فعلى سبيل المثال، كان معدل وفيات (كوفيد- 19) في انكلترا خلال شهر كانون الاول الماضي اعلى بضعفين من المناطق الاكثر حرمانا من الاخرى الاقل حرمانا. إذاً ما مدى نجاح مهمة مؤتمر WEF؟.
دروسٌ من التاريخ
إنَّ هذه ليست المرة الأولى التي تتطلب فيها ازمة عالمية اتخاذ اجراءات عالمية، لكن النتائج كانت مختلفة في الماضي، فمثلا لعبت المملكة المتحدة بعد الحرب العالمية الاولى دورا جوهريا في تشكيل عصبة الامم على الصعيد الدولي، لكنها فشلت في النهاية، بسبب إصرار المملكة المتحدة على تعويضات ما بعد الحرب، وكانت مقوضة لانتعاش الاقتصاد والاستقرار السياسي في
المانيا.
سعى العالم بعد ذلك إلى منع الصراعات المستقبلية مع قرب نهاية الحرب العالمية الثانية، والاستفادة من الدروس السابقة الى حد ما. لذا اجتمع الحلفاء في مؤتمر بريتون وودز في نيو هامبشاير باميركا عام 1944 لوضع سياسات الاستقرار
الاقتصادي.
أدى ذلك إلى نظام جديد لأسعار الصرف المترابطة والمنظمة حول الدولار الاميركي المدعوم بالذهب، فضلا عن مؤسسات جديدة للمساعدة في ادارته، منها صندوق النقد الدولي الذي اصبح لاحقا البنك العالمي، تلته بعامين الامم المتحدة والسابق لمنظمة التجارة العالمية. وثبت نظام بريتون وودز حتى اوائل السبعينيات عندما خرجت اميركا من المعيار الذهبي، لكن معظم النظام الذي اُنشئ في الاربعينيات ما زال قائما اليوم بشكل او بآخر.
لقد ادت الازمة المالية في الفترة
2009 - 2007، والتي تضمنت اول ركود عالمي منذ الثلاثينيات، إلى العديد من المطالبات لاتخاذ اجراءات لمنع ازمات مشابهة في المستقبل. ورغم انه كان هناك بعض اللوائح المشددة، لكن التهديد بعدم الاستقرار ما زال قائما بسبب الديون المفرطة والمضاربة
الزائدة.
وبما ان الاربعينيات فقط شهدت استجابة حقيقية مناسبة للازمات العالمية، فما الذي سيحدث الفرق هذه المرة؟
إعادة التنظيم الكبير
لقد أقرّت رؤية مؤتمر WEF لإعادة التنظيم الكبير ان ما نحتاجه لمعالجة هذه الازمات يتطلب اكثر من إصلاحات اقتصادية او تدابير مناخية او معالجة الجائحة، بل انها مجتمعة جميعها واكثر. والفكرة هي ان الحاجة إلى الاجراء العالمي يكون مدعوما برسالة مهمة لتغيير المجتمع وجعله اكثر تماسكا وشمولية، ولملائمة البيئة المستدامة مع الاستدامة الاجتماعية. تليها دعوات إلى "إعادة البناء بشكل أفضل"، وهي دعوة رددها كثيرون حول
العالم.
يسعى مؤتمرWEF إلى اتخاذ اجراءات عبر سبعة عناوين رئيسية: الاستدامة البيئية، اقتصادات اكثر عدلا، تكنولوجيا من اجل الخير، مستقبل العمل والحاجة إلى صقل المهارات، تجارة افضل، مستقبل صحي في متناول الجميع، " ما وراء الجغرافيا السياسية"، حكومات وطنية تتعاون على الصعيد العالمي.
يشير مؤتمر دافوس إلى ان المفتاح هو تجديد ثقة العامة التي تعرضت للتآكل، ويعود جزء منه إلى سوء التعامل الملموس مع جائحة كورونا. لكن هذا قد يكون صعبا نظرا لوجود تغيرا في رئاسة الشركات والحكومات، والامل الكبير المعلق على جو بايدن (78 عاما)، الذي كان نائبا للرئيس الاميركي لمدة ثماني سنوات تصاعد خلالها الكثير من هذه المشكلات ولم يتم حلها. ومن المؤسف، ان السبب الرئيس الذي يبعث على التفاؤل هو حقيقة ان الازمات اليوم كبيرة جدا ما يستدعي اتخاذ اجراءات، فالأزمة المالية تبدو محتملة في المستقبل، وتزايد توقع الازمة المناخية لكونها تهديدا محققا.
واليوم تمثل الجائحة كارثة بشرية واقتصادية ضخمة، ومع الاعتراف بأن المزيد من هكذا جائحات ستكون على ما يبدو السبب لكل شيء، بدءا من انفجار
في السفر العالمي إلى آثار التغيّر المناخي.
الاتجاه النيوليبرالي
التساؤل المهم لمؤتمر هذا العام، والذي من المقرر ان يتبعه في شهر ايار المقبل المرحلة الثانية في سنغافورة، هو ما اذا سيتم تطوير شكل جديد من العولمة؟.
كان هناك شكل من اشكال السوق الحرة للعولمة أدى إلى الحرب العالمية الاولى، ثم تراجع خلال مرحلة ما بين الحربين. وقادت اتفاقية بريتون وودز إلى عصر من العولمة المنظمة للفترة من 1945 وحتى الثمانينيات. لكن منذ ذلك الوقت، اعادت النخبة العالمية القيود التنظيمية على كل شيء من تدفقات المضاربة المالية عبر الحدود إلى عمليات الدمج والاستحواذ.
من المطلوب عصر جديد مبني على اتفاقية باريس للحد من التغير المناخي اليوم، والتي انضمت اليها اميركا مرة اخرى، وبمزيد من الدعم لصفقة خضراء جديدة تهدف إلى تحقيق انبعاثات صفرية، وجعل الاقتصاد العالمي مستداما فعلا. نحن بحاجة إلى مبادرات جريئة لمعالجة تهديد الاوبئة في المستقبل والمضاربة المالية، التهرب الضريبي وتجنبه وخطر الازمة المالية، والحد من تباين الثروات غير المستدامة والايرادات والسلطة في انحاء العالم.
فهل سيرتقي صُناع القرار السياسي واصحاب الشركات الكبرى إلى التحدي؟، يجب أن يكون هناك ضغط شعبي كاف، من مواطنين وناخبين ومستهلكين وعمال ومعلمين ونشطاء، لدفع الحكومات والشركات إلى تغيير مسارهم بشكل جذري. فقد شهدت السنوات القليلة الماضية حركات مثل حركة احتلوا، انا ايضا، حياة السود مهمة، وعدد لا يحصى من مجاميع ازمة المناخ.
كانت الدعوات للعمل من قادة الشركات في مؤتمر دافوس وغيره منذ سنوات. الأمل أن تكون هذه المرة، تجعل من حجم حالة الطوارئ في النهاية تغييرا جذريا لا مفر منه.
عن موقع ذا كونفرزيشن