رمضان السماوة وروح المدينة

فلكلور 2021/04/21
...

 زيد الشهيد
 
يستعد الناس في السماوة لشهر رمضان قبل ما يزيد على أسبوعين، إذ يشرعون بشراء ما يحتاجونه في ساعات الفطور من كل يوم فيشترون التمر (وهذا يخص الأسر التي لا يوجد لديها تمر مكبوس في خوص السعف المسفوف. كما يشترون (الشَّعريّة) التي تدخل في عمل الشوربة (الحساء). والشوربة في المطبخ السماوي نوعان: الأول هو الشوربة الحمراء، وتُعمَل من العدس والشَّعرية ويدخل فيها عصير الطماطم الذي يجعلها حمراء, والثاني الشوربة الصفراء وتُعمَل من العدس والشَّعرية ويضاف لها الفلفلُ الأصفر. ويشترون مسحوق النشأ الذي يدخل في عمل (المَحلَّبي) الذي يُصنَع عادةً من تسخين الماء والسُّكَّر مع بعض من حبَّات الهيل (الحبَّهان) لتكسبه نكهةً طيبة ومُحبَّبة، ثم يضاف له مسحوقُ النشا الأبيض، وبعض الأسر الميسورة الحال تُضيف القَيمر (القشطة) للسائل الذي يُمزَج ويُداف باستمرار حيث يثخن ويسكب في الصحون الخزفية المسطَّحة عادة.. ومع هذا الفطور الخفيف يشرعُ الصائمُ جراء جوعِه ولهفته للأكل الذي ظل طوال النهار مَحروماً منه في أكلِ الدَّولمة أو الرز والمرق.
 
رؤية الهلال
كان تداول الآراء حول رؤيةِ الهِلال والشهادة على الرؤية أمام المرجع الديني الذي عادة ما يتواجد في الجامع الذي سيؤم المُصلين الصلاة أو في ديوانِه يخرج عددٌ من الذين يسعون لمشاهدة الهلال خارج المدينة باتجاه الصحراء للتمكن من رؤية الهلال في سماءٍ منفتحة وصافية. وعند عودتهم يُدلون بشهادتِهم عن الرؤية أو عدمها. وعندما يوثق بكلامهم يعمل نداءً هاتفياً إلى النجف حيث المرجعية العليا. ويبقى المرجِع في المدينة بانتظار الرأي النهائي الذي يأتي من النجف فيعلن على ضوئها إنْ كان اليوم التالي أول يوم من أيام رمضان أم لا.. ويؤدى العمل ذاته في الليلة الثلاثين من رمضان لتثبيت إنْ كان اليوم التالي أول أيام العيد أم لا.
 
البرّانيات مقاهٍ اجتماعيَّة
رمضان إحدى محطات ذاكرتهم يعودون إليها ليستعيدوا أجواء النهارات وعبق الليالي.. وإذا كانت النهارات ساعات عمل مرهقة يثقُل فيها خواءُ المعدة نشاطَ الجسد فإنَّ الليليات تستحيل نهاراتٍ من نوعٍ خاص.. ليليات تتناثر في فضاءاتها الألفة، ويعود الود، وتأخذ الممارسات الحميمية للتجمعات الإنسانية في أماكن اللقاءات الكثيرة مثل المقاهي، قارعة الطرق ومسطحات الأرصفة؛ كذلك جلسات غرف الاستقبال «البرانيات» وألعاب تتساجل بين لعبة «المحيبس» و» الدومينو» و» الطاولي» والتسبيح بمسبحات متفاوتة المَنشأ لعلَّ أفضلها وأثمنها والمثيرة للتباهي واقصد بها مسبحة الـ (يِسر) والتي تتباهى على الأنواع الأخرى مثل (باي زهر) و(السندلوس) و(البخور) و(الصَدف) و(الفيروزي).وكان رمضان حلقةَ الوصل والأثير لدى الجميع: الصائمون وغير الصائمين من رجال ونساء وشباب وصبية. تضج الأضواء في واجهات المحال وتزدحم المقاهي؛ وتعج الشوارع بخطى تراها افتقدَتها في أوقات الظهاري وأوقات العصر حيث ينسحب الصائمون تارةً بخواء أجساد أنهكها الجوع بعد عملٍ لا يكل وتارة بهمَّة مَن أبدى شجاعةً في تحمل وطأة الصيام. ومما يلفت النظر أنَّ العديد من الذين اعتادوا شرب الخمرة وإظهار الشقاوة والشجار يتركون موبقاتِهم ويتَّجهون إلى الصيام فتراهم في سلوكٍ يُحسدون عليه ويتمنى لهم الآخرون الاستمرار بأخلاقهم المتميزة حتى بعد رمضان.إذا كانت المقاهي تتولّى مهمة جمع الصائمين فإنَّ مجالس البيوت (البرّانيات) كان لها الدور الفاعل أيضاً في اللقاءات والتحاور والتداول الحديثي عن مستجدات الساعة والأحداث التي ينبغي أنْ تصل إلى مسامع الجميع؛ ناهيك عن الفعاليات الجميلة التي تقدح الذاكرة وتعيد لها بريقها عبر المطاردات الشعريَّة والسجالات سواء في الشعر الفصيح أو الشعبي. ولعلَّ برانية الحاج رضا المطوّف في الحي الشرقي هي الأثقف رواداً. فقد عُرف عن الحاج رضا مُحدثاً قديراً ولبقاً، يمتاز بسعة الصدر في اللقاءات والمحاورات التي تصل حدَّ النزاع، وكان يمتلك مكتبةً تملأ جدران برّانيته فتعطي انطباعاً بهيبة المكان وثقافة صحبه وزائريه. وكانت ثمة لقاءات رمضانية في كل خميس في «برّانية» الشيخ مهدي السماوي حيث تجري المطاردات الشعرية وقراءة الجديد من الأشعار التي جادت بها قرائح الشعراء وعادة ما تتشح هذه الأشعار برداء الدين. وفي أواخر أيام رمضان تنتقل اللقاءات والسجالات إلى «برانية» الشيخ عبد الحميد السماوي فتكون أوسع ويزداد عد المشاركين والحضور. وفي الحي الغربي كانت الكثير من المجالس تجمعها (البرانيات) فهناك مجلس آل رباط، ومجلس محمد غريب، ومجلس الحاج علي أبو مكينة، ومجالس أخرى يجري فيها الحديث عن المتداول من اليومي؛ وقد يتحدث فيها أصحاب الحكايات الطويلة التي تحكي الشجاعة والفروسية والصبر على الشدائد فكانت هناك حكايات (أبو زيد الهلالي) و(أبو ليلة المهلهل) وهناك مَن يشارك في الحديث عن الحرب العالمية الأولى والثانية وهو يستلَّها من قراءاته للكتب التي تناولت هاتين الحربين بإسهاب. وعادة ما توزع في أثناء الجلسات والأحاديث والمطاردات الشعريَّة الحلوى وهي من نوعي (الزلابيا) و(البقلاوة) تأتي محمولة في (صينيَّة) يحملها أحدهم ويدور بها بين
 الجلاس.