حجي راضي.. أيقونة الفن الكوميدي في العراق

فلكلور 2021/04/21
...

 قحطان جاسم جواد
لم تر الدراما العراقيَّة كاتباً ومؤلفاً في الكوميديا كما الفنان سليم البصري أو كما يحلو للناس أنْ تسميه باسم شخصيته الشعبيَّة المحببة حجي راضي، كان باهراً في كتاباته وفي تمثيله وعفويته ورقيه الكبير في خلق دراما ناجحة ترضى عنها الناس وتتفاعل معها بشدة رغم بساطتها وعفويتها. ولد الفنان الراحل سليم عبد الكريم البصري (حجي راضي) بمحلة الهيتاويين عام 1926م في بغداد، وأكمل دراسته الابتدائيَّة في مدرسة العوينة، والتحق في سنة 1942 بأول فرقة أهلية للتمثيل وكان مقرها قرب ساحة الرصافي الواقعة في شارع الرشيد في بغداد. 
 
التي كانت بحسب ما ينقل قبة لضريح ولي صوفي بغدادي، ثم حدث أنْ انقطع الفنان سليم البصري عن التمثيل بين عامي 1944- 1948 ثم عاد ليقدم مسرحيَّة (سليم البصري في ساحة التدريب)، ودخل كلية الآداب والعلوم الإنسانيَّة، قسم اللغة العربيَّة، جامعة بغداد، عام 1950، وتخرج عام 1954. من أساتذته آنذاك (جبرا إبراهيم جبرا، جميل سعيد، عبد العزيز الدوري الذي كان عميد الكلية في وقتها)، بعدها أصبح الفنان سليم البصري رئيس المسرح الجامعي في كلية الآداب في جامعة بغداد، وكان عضواً فاعلاً في الفرقة، إذ قدم (مسرحيَّة الصحراء، ومسرحيَّة سليم البصري في ساحة التدريب وفنان رغماً عنه).
من الأمور التي أتذكرها وحدثت أمامي، هي المشاجرة التي حدثت بينه وبين الفنانة الراحلة أمل طه بعد أنْ قال عنها عندما كان معلقاً على مباراة الفنانين أنها لن تشارك في المباراة لأنها أكلت الدولمة (أم نفس الدنية) وبطنها تؤلمها، وهي نكتة ملفقة من البصري أراد إضحاك الجمهور ليس إلا! لكنَّ أمل طه في اليوم الثاني زعلت وثارت جداً وأسمعته كلاماً جارحاً، رغم أنه كان يمازحها. وربما هذا السبب وراء عدم مشاركتها معه في أعماله اللاحقة. ومع كل الذي قدمه للفن كانت السلطة آنذاك غير راضية عنه ومنعت له تمثيليَّة (لو) بسبب كشفها العلني عن أشياء لا تقبل بها السلطة، وكان الرقيب لها بالمرصاد، إذ اختفت التمثيليَّة من المكتبة من دون أنْ يعرف عنها أي شيء. وظل مغيباً لسنتين بدون عمل ثم توفي بحسرة كبيرة بعيداً عن التلفزيون، الذي كان فارساً مهماً من فرسانه.
كانت عفوية وتلقائيَّة البصري تثير دهشة الكثير من زملائه، ففي المشهد الذي يظهر فيه البصري سكراناً أمام سهام السبتي في إحدى حلقات (تحت موسى الحلاق) صفق من في الاستوديو مثل عمانوئيل رسام المخرج الذي كان يكتب اسمه (ع ن ر) والفنان راسم الجميلي وخزعل مهدي (كاتب كلمات ملحن الشارة أو تايتل المقدمة) وغيره من الممثلين في العمل. كان البصري يثيرهم ويستفز قدراتهم بعفويته وتلقائيته، ما يحفزهم للتنافس معه. وقد شرب الفنان البصري العرق أثناء التسجيل بأمر المدير العام الصحاف حتى تبدو الأمور حقيقيَّة جداً، لذلك كان العمل ناجحاً للغاية ويحبه الجمهور وقد أعيد بث الحلقة في اليوم ذاته بعد منتصف الليل بأمر الرئيس البكر الذي أعجب بها أيَّما إعجاب.
البصري كان يعمل موظفاً في مصرفٍ زراعي في بداية حياته قبل أنْ ينتقل الى التلفزيون ويدهشنا بأعماله. أبرز أعماله التي كتبها إضافة الى (تحت موسى الحلاق)، (العربة والحصان, فايق يتزوج, أوراق الخريف, عماره/ 13, كاسب كار, حب في بغداد/ 6 كراسي, وجهة نظر الشارع الجديد, الى من يهمه الأمر, لعابة الصبر) وأدى الدور فيها يوسف العاني وقال فيها مقولته الشهيرة: (لعابة الصبر اني صبر وانتي صبر لشوكت اصطبر). أما لقبه البصري فله حكاية أنه كثيراً ما يذهب الى البصرة الى بيت أخته المتزوجة هناك، ولكثرة ما يقضي من أوقاتٍ في البصرة أطلق عليه الأصدقاء سليم البصري (وكان ذلك قبل تحوله الى فنان ومعرفة الناس بلقبه البصري.. وهو من الكرد الفيليَّة) وربما هذا السبب يوضح موقف السلطة منه بعد قرار إبعاد كل الفيليين عن البلد لأنهم غير عراقيين بل تبعيتهم إيرانيَّة وهو موقف سياسي لا غير. وتمثيلية (تحت موسى الحلاق) كانت مسرحيَّة في وقتٍ كانت الفرق المسرحيَّة تقدم أعمالها في التلفزيون ثم تحولت الى مسلسلٍ بطلب من وجيه عبدالغني والفنان حمودي الحارثي. كانت التمثيليَّة بعنوان الحلاق ثم تغير اسمها الى (تحت موسى الحلاق) حسبما قال لي الراحل الكبير عبدالغني في حوارٍ سابق. وكانت التمثيليَّة عن قصة حقيقيَّة يقول عنها حمودي الحارثي في محلة المربعة وراء سينما الزوراء كان هناك حلاق اسمه عبدالرضا ولديه صانع اسمه حلاوة ثم غير البصري الاسم ليصبح حجي راضي وغير الحارثي اسم حلاوة الى عبوسي.من الأعمال التي ندم عليها البصري هي حلقة من حلقات (تحت موسى الحلاق) وكانت تتحدث بسلبيَّة عن عبدالكريم قاسم. وكان البصري يبدي ندمه في أحاديثه الخاصة عنها، وأعتقد أنَّ الفنان حمودي الحارثي أكدها غير مرة. وحين توفي البصري يوم الثامن من أيار عام 1997 نتيجة جلطة قلبيَّة، وقبل أنْ يصل الى المستشفى حسب قول صديقه طارق الحارس الذي رافقه في سيارة الإسعاف ولم يكن معه أي شخص آخر. وهذه الحقيقة تدحض ما أشاعه البعض من أنَّه مات مسموماً وكانت للبصري أمنية تحققت له قبل يوم من وفاته هي أنْ يرى درابين شارع الرشيد التي كتب عنها كثيراً وحقق له صديقه الحارس تلك الأمنية حين أخذه بسيارته وجال به تلك الطرقات.
من الهوايات التي أحبها البصري ومارسها بكثرة حبه لكرة القدم وكذلك الملاكمة والمصارعة. وإعجاب الناس بتحت موس الحلاق لا يقتصر على العراق بل كان معجبوه في الوطن العربي فأذكر أنَّ أمير الكويت طلب من الرئيس العراقي إعادة حلقة تلميذ مسائي لشدة إعجابه بها والطريف في الأمر أنَّ البث كان مباشراً قبل دخول الفيديوتيب الى التلفزيون فاضطروا أنْ يبعثوا على الممثلين الذين غادروا الى بيوتهم لكي يعاد تقديم التمثيليَّة! والغريب ان معظم الشخصيات التي كتبها البصري صارت علامة فارقة لممثليها بل لاصقتهم حتى في حياتهم العامَّة نذكر منها شخصية ابو فارس للفنان خليل الرفاعي بحيث كان يسمونه أبا فارس رغم انه لم ينجب أطفالاً، بل هي شخصيته التي نحتها البصري. وكذلك شخصية ابو ضوية للفنان راسم الجميلي التي يقول عنها انه في يومٍ ما التقى بالرئيس البكر فقال له تفضل أبا ضوية! وكذلك شخصية ضوية للفنانة سناء سليم والفنانة سهام السبتي التي تكنى بزوجة حجي راضي لكثرة ما ظهرت بهذا الدور. وكذلك شخصية عبوسي التي يقول الفنان حمودي الحارثي انه ابتكرها حين شاهدها في محلة المربعة عند أحد الحلاقين. وقد وثقت الفنانة القديرة خيرية المنصور حياة هذا الفنان الكبير بعمل مهم ضمن عملها التوثيقي لـ16 شخصية فنية. وكذلك أحسنت شبكة الإعلام حين اختارت تمثالاً له في المتحف الذي يتوسط مبنى الشبكة مع شخصيات أخرى قدمت خدمات جليلة للتلفزيون العراقي. وبعد وفاته اقتصر التشييع على الفنان الحارثي و3 آخرين واثنين من أصدقائه غير الفنانين.
وقال عنه المخرج المصري الراحل إبراهيم عبدالجليل زوج الفنانة شميم رسام وكان قد عمل طويلاً في تلفزيون العراق قال عن البصري أثناء مشاهدته لتمثيلة له (إنه في هذا العمل بمستوى كبار الممثلين في العالم).
يبدو أنَّ ما قاله المسرحي جين ماسادا «إنَّ ثمانين بالمئة من الممثلين الكوميديين يعانون من الاكتئاب» هو صحيح بدليل أنَّ كثيراً منهم مات مهموماً، نذكر منهم عادل خيري وراسم الجميلي والبصري والفنانة ماري منيب وآخرين.
لقد حفظت الذاكرة الشعبية اسم حجي راضي اكثر من الرؤساء التسعة الذي حكموا العراق منذ تاريخ تأسيسه الى حد وفاته.