ليبيا وبناء السلام من خلال حكم الأقاليم

آراء 2021/04/21
...

 سيمونا روس وستيفان وولف والكسندر مارك
 
 ترجمة: بهاء سلمان
وسط خضم جائحة كورونا وانكماش اقتصادي غير مسبوق، يستمر ملايين الناس بمواجهة التأثيرات المضاعفة للصراعات العنيفة، كما تلعب خلافات السيطرة على الأراضي والموارد دورا كبيرا جدا ضمن العديد من تلك الصراعات، كما هو حاصل في أثيوبيا واوكرانيا وسوريا والعراق واليمن وماينمار. وتوصلت دراسة حديثة للبنك الدولي أن الكثير من الاهتمام ينبغي صبه على شؤون حكم الاقاليم لأجل منع النزاعات وتحقيق الاستقرار. واستنادا لتجارب جهود تخفيف النزاعات في سبع دول.
 
 
تعرّف الدراسة مجموعة عوامل تأخذ بحسبانها نجاح أو فشل اصلاح حكم الأقاليم ضمن عملية السلام؛ وتشدد أيضا أن هذه القضايا الحيوية غالبا جدا ما يتم توجيهها بشكل متأخر للغاية وبلا تفاصيل كافية، لان إصلاح حكم الأقاليم يعد أمرا حساسا ويسيّس بسهولة، ومن الصعب الوصول الى حلول وسطية فيه.ومع ذلك، فإن الإخفاق في معالجة هذه القضايا يحمل معه أثرا كبيرا وسلبيا على استدامة اتفاقيات السلام. وتمثل ليبيا حالة توضيحية، فحكم الأقاليم يكمن في قلب الصراع الجاري، كما هو مذكور في تقرير مؤسسة بروكنغز لسنة 2019. 
ودخلت البلاد بمرحلة حرجة بجهودها الرامية الى حل الصراع الطويل، ففي 19 كانون الثاني الماضي، ومن خلال إطار عملية “منتدى الحوار السياسي الليبي”، توصلت الأطراف الليبية إلى اتفاقية أولية تفضي بضرورة إجراء استفتاء شعبي للمقترح الدستوري لسنة 2017 لأجل التصديق عليه. وفي حال الموافقة عليه، يفترض أن يعمل المقترح كقاعدة قانونية للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المزمع اقامتها يوم 24 كانون الأول من هذا العام، مع الذكرى السنوية السبعين لاستقلال البلاد؛ لتكون خطوة أساسية في العملية البطيئة والمتعثرة لغاية الآن لوضع ليبيا على طريق المصالحة الوطنية والتعافي.
وبينما من المهم الاتفاق على أسس دستورية لإقامة انتخابات بغية إكمال الانتقال السياسي للبلاد، يفتقر المقترح الدستوري لسنة 2017 الى الاستعداد للموافقة والتفاعل من قبل جميع مكوّنات المجتمع الليبي. الأكثر من هذا، يرتكز قانون الاستفتاء الشعبي الناتج من الاستفتاء على الدستور على صيغة تؤكد أن المقترح يجب عليه كسب دعم رئيس من جميع أقاليم البلاد التاريخية، وهي برقة في الشرق، وطرابلس في الغرب، وفزان في الجنوب. وعلى ضوء معارضة مشروع القانون من قبل بعض المناطق الشرقية والجنوبية، علاوة على بعض المجاميع في الغرب، هناك امكانية حقيقية برفض المقترح عبر الاستفتاء.
بالمقابل، سيعمل هذا الأمر على إطالة عملية الانتقال ومفاقمة التوترات المضطربة، لتزداد احتمالات اشعال جولات جديدة من العنف. ورغم احتمال المصادقة على المقترح من خلال الاستفتاء، فهو لن يوفر قاعدة مناسبة لاستقرار طويل الأمد وسلام مستدام بسبب عدد من مواطن الضعف الواردة ضمن ترتيبات الحكم المقترحة. بذلك، ينبغي على الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور الليبي الأخذ بنظر الاعتبار جدوى إعادة فتح مشروع القانون لتقديم عدد من التعديلات.
وتكمن أحد أكثر العناصر حيوية في ترتيبات حكم الأقاليم داخل البلاد خلال فترة النزاع المستمر، وبشكل لافت توزيع السلطات السياسية وموارد الدولة. وينبغي معالجة ترتيبات حكم الأقاليم بشكل مبكر، ومن الواضح أنه لن تكون هناك تسوية سياسية فاعلة من دون تحقيق تقدم في هذا الجانب الحساس للغاية. مع ذلك، وفي جهود خاطئة لتعزيز التلاحم الاجتماعي، تجنّب الشركاء بالسلطة من الليبيين والوسطاء الدوليين تكرار معالجة القضايا المصيرية سياسيا، واخفقوا في تثبيت حكم الاقاليم مع بيان سنة 2011 الدستوري، واتفاقية السلام الليبية سنة 2015.
ويفتقر المقترح الدستوري لسنة 2017 للتفاصيل الكافية لمسألة حكم الأقاليم، وانحرف بشكل هائل باتجاه نظام رئاسي قوي مع صيغة ضعيفة للغاية من اللا مركزية. الأكثر من هذا، خلا المقترح من التفاصيل الأساسية لعدد الأقاليم وتفرعاتها، وطريقة تأسيسها؛ كما لم تحدد الامتيازات في ما بينهم، أو توفير ضمانات دستورية لتحويل العائدات المالية لوحدات الأقاليم. هناك فرصة حاليا لإنشاء مؤسسات تعكس مصالح شركاء السلطة المختلفين، وترتكز على نظام أكثر فاعلية لعلاقات حكومية متداخلة يمكنها إدامة دولة ليبية قابلة للنمو. وتدافع منطقة غرب البلاد، الأكثر اكتظاظا بالسكان، عن نظام مركزي قوي بسبب المخاوف من تقسيم البلاد، والخسارة الناتجة عن فقدان السيطرة على الموارد المتمركزة بشكل كبير في الشرق والجنوب. 
أما أصحاب السلطة في الشرق، فلديهم نظرة أخرى، فهم يرون أن النظام الاتحادي يعد أساسيا لضمان وجود فرص منصفة للمساهمة بترتيبات حكم البلاد، لكسب تحكم أكبر على الموارد المحلية، وتفادي هيمنة طرابلس مستقبلا. بالوقت نفسه، تنقسم التجمعات السكنية في الجنوب، حيث تقطن غالبية أقليات البلاد، حول هذا الأمر، فالبعض متلهّف لتحقيق حكم ذاتي أقوى لمناطقهم، والبعض الآخر يدعو الى نظام لامركزي داخل دولة موحدة ليسهم بتحسين الخدمات المحلية. بذلك، تختلف وجهات النظر إلى حد بعيد، وهناك فروقات مهمة لتفسير الشركاء المختلفين لتسميات “الاتحاد” و”السلطة” و”اللامركزية”. مع ذلك، وحتى مع وصفهم المبسط، تصوغ هذه الآراء العوامل اللازمة لإيجاد ترتيبات مستدامة لحكم الأقاليم.
وبناء على الترتيبات الواردة ضمن مقترح سنة 2017 الدستوري، من الممكن صياغة توازن عبر أحد المسارين الآتيين: دولة موحدة بلامركزية قوية، أو ترتيب اتحاد ضعيف. المسار الأول يستلزم الإبقاء على هيكلية حالية من وحدات الأقاليم، من محافظات وبلديات، لكنها تضمن نظاما قويا لحكم لامركزي مع ضمانات دستورية لخصوصيات سياسية ومالية وإدارية واضحة تمنح للمحافظات والحكومات المحلية، وعلى وجه الخصوص، يجب أن تنتفع الأقاليم المنتجة للنفط من حصة نسبية من عائدات الموارد. 
ومن الممكن لمسار آخر صياغة ترتيب لاتحاد صريح، لكنه ضعيف، من الذي يمنح حكما ذاتيا للأقاليم التاريخية الثلاثة، ويكون متمما لترتيبات تقاسم السلطة في المركز. هذا الحال يمكن له أن يمثل ترتيبا غير متماثل، إذ تؤول مزيد من الامتيازات الى منطقة برقة الشرقية، علاوة على أوضاع ثقافية محددة لاستيعاب التنوّع في منطقة فزان الجنوبية. مثل هذا الأنموذج ما زال بحاجة الى تهدئة المخاوف التي تنتاب مسؤولي المنطقة الغربية، والى حد ما المنطقة الجنوبية، من أن الشرق وما يحتويه من موارد البلاد الكبرى سيعمل في نهاية المطاف على الانفصال.
ومن المفترض أن يشيّد كلا الترتيبين هيكليات قائمة، وظهور أطر عمل قانونية سابقة. على سبيل المثال، كانت انتخابات المجالس البلديات ناجحة نسبيا، ويجب ادامة نظامها. الأكثر من هذا، ينبغي على أي إصلاح لحكم الأقاليم الأخذ بنظر الاعتبار حقيقة أن العناصر الرئيسة للخلاف تدور حول قضايا بمستوى الأقاليم بدلا من المستوى المحلي، وينبغي تجنب التخندّق واستمرارية الخلافات بين الأقاليم.
من الصعوبات الأخرى التي يواجهها القائمون على صياغة الدستور هو محدودية الوقت، فلو علمنا مدى التباعد الكبير بين مواقع الأطراف المختلفة، سيكون هناك واعز لتفادي اتخاذ قرارات صعبة، مرة أخرى، مثل تلك المتعلّقة بحكم الأقاليم. سابقا، لم تكن قضايا حكم الأقاليم المسيّسة بشكل هائل قد أدرجت ضمن البناء الرئيس للمؤسسات والنقاشات السياسية.
هذا الحال لا يمثل بوضوح وصفة للنجاح، وعلى الليبيين الآن، وشركائهم الدوليين، تحشيد شجاعتهم لمعالجة القضايا المثيرة للخلافات بطريقة بناءة، وعليهم منح المقترح الدستوري المنقح فرصة لتجميع دعم خارجي ليصير قاعدة لسلام دائم وتنمية مستدامة.
صحيفة التلغراف البريطانية