في مفهوم الهيَبة

آراء 2021/04/21
...

 علي المرهج
يرتبط مفهوم الهيبة بكل حمولته الذكورية بالقوة والرجولة، ولا علاقة له بالأنوثة لا من بعيد ولا من قريب، إلّا بمقدار قبول المرأة لتتتصف بصفات الرجل، فتتخلى عن أنوثتها في مقابل حصولها على هذه الهيبة، وهذا حادث في التاريخ.
 
هيبة الرجل مهابته، والمهابة ترتبط بشكل أو آخر بالخوف والوجل، والوجل له علاقة بالجلال، والجليل أكثر وقعاً من الجميل، لأنه يحتويه ويفوقه في الإبهار والرهبة المنطوية على اعجاب بشخص المُهاب، وأظن أن لفظة (المهيب الركن) أشتقت منها، فكلما علا الرجل في منصبه زادت هيبته.
هناك من يذهب على أن الهيّبة  فطرية وليست مُكتسبة، فهي بمثابة الهبة التي يهبها الله سبحانه وتعالى لأشخاص من دون غيرهم.
لا يختلف الأمر كثيراً في التدرج بمراتب الوظيفة المدنية عن مفهوم المهيب في العسكرية وفي التدرج في المراتب، ستجد هناك أشخاصاً يصلون باكتساب معارف وتطوير مهاراتهم ليكونوا في المُقدمة، فيهابهم الناس، ويكونوا أكثر تأثيرا بالقياس لزملاء آخرين لهم.
قد تُورث الهيبة من الأسرة، فقد تجد من لا يمتلك مؤهلات القيادة يمتلك هيبة تفوق عشرات أو مئات الناس الذين لديهم كل مؤهلات القيادة والتواجد في المُقدمة، ولكنه لا يمتلك تاريخ ذلك الشخص البسيط الذي ولد في أسرة لها تاريخ مهابة في الوسط الاجتماعي الذي ظهر فيه هذا الشخص.
هناك هيبة للمبدعين من الشعراء والفنانين والعلماء، لكنها هيبة ليست موروثة من الآباء، وإن كان فيها بعض تأثير لعوامل النشأة والفطرة، ولكنها تُصقل بالمعرفة والقراءة، لتُحقق حضورها الفاعل الذي يفي مفهوم الهيبة حقه.
يرتبط مفهوم الهيبة بالإقدام، والإقدام شكل من أشكال الشجاعة والاقبال على المصيبة والمحنة لا الادبار عنها، لذلك نجد العرب يُشبهون المُقبل على المنية بالأسد لأنه مُهاب ويهب كعاصفة على مناوئيه.
والإقدام عمل يتطلب السرعة في الإنجاز، بما قد يُعرض المقدام إلى المُخاطرة، فالمقدام هو الرجل الشجاع الذي يضع نفسه في المُقدمة ساعة التحدي، بلا خوف ولا وجل.
قد يعتقد بعض منكم أن الإقدام يتعارض مع الوقار الذي هو شرط من شروط الهيبة، لأجيبه أن الإقدام بقدر ما فيه إقبال على التحدي، لكنه يحمل بين طيّاته ميلا للوقار وإثبات الذات بما يجعلها محط احترام وتقدير مجتمعي في إقبالها وإقدامها، وذكاء صاحبها في اختيار الزمن والمكان الذي يخدمه في إثبات قوته وهيبته ووقاره، فلا معنى للإقدام من دون حلم ووقار.
لا يليق بصاحب الهيبة والوقار والمقدام أن ينبري من دون دراية للتصدي والتحدي الذي لا تحسب عواقبه، لأنه حينذاك سيوصف بأنه خلط الهيبة بالرعونة والحُمق!.
وكم من له هيبة وقع في هذه المكيدة؟!، أستطيع القول إنهم كثيرون ممن كانوا مُهابين لهم السطوة والغلبة والحضور المُثير في القيادة والتأثير الكاريزمي، ولكنهم سقطوا في خداع الناس لهم، فحولوهم من قادة مُهابين إلى معتوهين نرجسيين يذكرهم التاريخ والمجتمع، مرة بتأسٍ عليهم، وأخرى بالنقمة منهم.
بين الهيبة والإقدام والجرأة في اتخاذ القرار والنرجسية والاستغراق في محبة الذات شعرة كـ (شعرة معاوية) الذي أجاد شدها ساعة حاجته للشد، بقوله: “إني لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي، ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني، ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، كانوا إذا مدوها أرخيتها، وإذا أرخوها مددتها”.
كل هيبة مرهونة بقدرة صاحبها على حفظ وقاره ووقار أصحابه، ومرهونة باتّزانه وإخفاء ما ينبغي إخفاؤه بما يرتبط بنوازعه الذاتية وميوله الغرائزية.
في الهيبة ميل وتأكيد على محبة الذات وتأكيد حضورها الفاعل بما يخدم المجتمع لا الذات وحدها.