عباس الصباغ
لا يختلف اثنان على ان حرية التعبير الاعلامي التي كفلها الدستور هي من اهم المنجزات التي تمخض عنها التغيير النيساني المزلزل بعد ان كان المواطن العراقي يعيش في عزلة اعلامية تامة عن العالم
وكان آخر من يعلم بما يجري حوله من أحداث بسبب سياسات النظام القمعي المباد من تكميم للأفواه وخنق للحريات وفرض طوق اعلامي كامل مُحكم، لكيلا تصل اليه اية معلومة اعلامية ماعدا تلك التي يلقنها النظام في وسائله الاعلامية التي تدور جميعها في فلكه، وبعد الانفتاح الاعلامي الذي احدثه التغيير وجد الفرد العراقي نفسه وسط انفتاح غير مسبوق، وكم هائل من المعلومات الاعلامية المتدفقة من جميع وسائل الاعلام، ناهيك عن السوشيل ميديا بجميع اشكالها والتي اتاحتها ثورة التقنيات الاعلامية والتواصلية والبرمجيات التي حوّلت العالم كله الى قرية كونية صغيرة وهذا الانفتاح «الديمقراطي» لم يكن تدريجيا وحقيقيا ومقنّنا بل كان عشوائيا ومفاجئا، كما حصل لجميع حيثيات المشهد العراقي، فليس من الصحيح الانتقال المباشر والحاد من ديكتاتورية شمولية عاملت شعبها بالحديد والنار والكبت والقمع الى عالم «ديمقراطي» مفتوح الأفق في كل شيء، وبما يسمّى نظريا بالفوضى الخلاقة التي ضربت كل مناحي الحياة في العراق ومنها الاعلام، فاستحالت الحرية المنتظرة الى فوضى عارمة استغلتها وسائل الاعلام غير الرصينة لبث سمومها وتلويث الرأي العام العراقي بما لايحصى من الاخبار والمعلومات والصور العشوائية والفيديوهات المفبركة والكاذبة او التي تم ادلجتها وفق اجندات مغرضة لاتمتّ الى متطلبات الواقع العراقي بأية صلة، فلا نستغرب من اكتظاظ تلك الوسائل بأخبار مضللة للرأي العام والتأثير سلبا في سايكولوجية رجل الشارع وإرباكه في جميع مناحي حياته اليومية، فضلا عن المعلومات المشوّهة وغير الدقيقة التي تقدّمها بعض الفضائيات ـ وهو الأخطر في هذا المضمار ـ عن طريق البرامج «الحوارية» ناهيك عن الاخبارية، وذلك باستضافة محللين وخبراء من كل حدب وصوب ليملؤوا الاثير العراقي بأخبار وتحليلات ومعلومات ما أنزل الله بها من سلطان، وهكذا يجد المواطن العراقي (المغلوب على أمره) نفسه امام بحر متلاطم الامواج من المعلومات التي يراد منها ضرب الاستقرار السياسي والمجتمعي والاقتصادي واشاعة الفوضى والبلبلة بين شرائح النسيج المجتمعي، وهي محاولات مبرمجة لتضليل الرأي العراقي العام وتدليس قناعاته ولِي ثوابته.