سياسة الخصخصة

آراء 2021/04/28
...

 محمد شريف ابو ميسم
 
لم يكن تصريح المستشار المالي لرئيس الوزراء بشأن الشركات العامة الخاسرة، مفاجئا لأي مراقب معني بالشأن الاقتصادي، بعد الذي تعرضت له هذه الشركات منذ نحو ثمانية عشر عاما، إذ إن الإغراق 
السلعي الذي أسس له منذ مجيء الحاكم المدني "بول بريمر" عبر سياسة "تحرير التجارة"، وكرسته سياسات الحكومات اللاحقة، 
كان السبب الأول والمباشر في الوصول الى هذه النتائج التي أفضت الى تراجع الانتاج، ومن ثم اختفائه أمام هجمة السلع المستوردة الرخيصة الثمن بالتزامن مع تعاقب ادارات التحاصص السياسي غير الكفوءة على هذه الشركات وتردي واقع التيار الكهربائي في أجواء من التجاذبات السياسية، وعوامل أخرى أخرجت نحو 72 بالمئة من الشركات المملوكة للدولة من دائرة الانتاج كليا لتكون خاسرة وبامتياز على مدار السنوات الماضية، في حين بقي العاملون فيها "يتلقون منحا شهرية بشكل مرتبات من دون أداء أعمال منتجة منذ ثمانية عشر عاما" بحسب المستشار المالي. 
وبرغم ما سببه الأمر المعني بسياسة تحرير التجارة من ضرر للاقتصاد العراقي جراء الاستيراد المفتوح الذي أطاح بكل الطاقات الانتاجية الممكنة، بجانب الاستنزاف الكبير للايرادات المالية بدعوى تمويل التجارة الخارجية ودخول البلاد في دوامة الاستهلاك لنفايات السلع التي راحت تتدفق على السوق العراقية من دون ضابط أو معيار للجودة والنوعية، في ظروف سياسية وأمنية مرتبكة، كان العراق وما زال قادرا على النهوض من كبوته الاقتصادية عبر اعادة الحياة للقطاعات الانتاجية 
وتوظيف هذه الشركات في 
عملية النهوض الاقتصادي، ومن ثم تشغيل الأيدي العاملة العاطلة عن العمل مع امكانية التوسع في عمل هذه الشركات عبر تأهيل اداراتها وضخها بالكفاءات الشبابية الباحثة عن العمل بعيدا عن التحاصص 
السياسي. 
ولكن الخشية أن توضع هذه الشركات في خانة الممتلكات العامة الميؤوس منها فتخضع لمسارات الخصخصة بموجب خطوات الاصلاح، بدعوى التحول نحو اقتصاد السوق لصالح الرساميل التي نضجت خلال السنوات الماضية على حساب المال العام، من دون أن يعرف المالك الحقيقي لهذه الشركات بموجب الدستور (وهو الشعب العراقي)، سر تردي هذه الشركات ومن يتحمل مسؤولية هذا التردي، 
الأمر الذي يتطلب رفعدعاوى قضائية لتحميل المتسبب مسؤولية الخسارة، بجانب تشريع قانون الخصخصة، للحد من بيع ممتلكات القطاع العام لمجرد توصيف الشركات بالخاسرة من دون محاولة معالجة الخلل والنهوض بهذه الشركات، لأن تجريد الحكومات المقبلة من امكانياتها في المناورة والمعالجة أمام الأزمات الاقتصادية يجعل منها حكومات ضعيفة أمام سلطة رأس المال الأجنبي أولا وأمام الارادات الدولية 
الأخرى.