السياسة والاقتصاد المؤثر والمتأثر

آراء 2021/04/28
...

 واثق الجابري
الاقتصاد مرآة السياسة، والتطور الاقتصادي يؤثر في الوضع السياسي، والسياسة الناجحة تؤدي الى اقتصاد نامٍ، وكل منهما يخدم الآخر سلباً أو إيجابا، وعلاقة الاقتصاد بالسياسة لا فصل بينهما حسب الفكرة القائلة «أن الاقتصاد والسياسة توأمان لا ينفصلان» .
    
تعد العلاقة الوثيقة بين الاثنين ركنا أساسيا لعمل الدولة، وتدهور أحدهما يؤدي الى كارثة بالآخر.. فهناك بلدان تضع الاقتصاد هدفها فتكون السياسة بخدمته، وتجنبت بذلك صراعتها السياسية بدعامة الاقتصاد، لأن بعض السياسات  الخاطئة، أدت الى تكاليف باهظة  مادية وبشرية وانهيار اقتصادي، فلا يمكن للاقتصاد النمو، في ظل سياسة متخبطة غير مدروسة.
 ينعكس التطور الاقتصادي على الواقع السياسي ويؤثر فيه، فمع المشكلات السياسية تبرز الأزمات الاقتصادية، وتتخذ قرارات  سياسية تظهر عجز السياسة عن تجنب تفاقم المشكلات الاقتصادية.. 
من جانب آخر فالأمن ركن مهم في تفعيل الاقتصاد وجلب الاستثمارات، وتوفير مدخولات قومية، كذلك يؤثر في جميع القطاعات، كالسياحة والزراعة والصناعة والتجارة وسوق العمل.. فيُقيم الوضع الاقتصادي على أساس المعطيات السياسية المتلازمة معه، كتعرض الدول لعقوبات دولية، أو ضعف علاقاتها الدولية فتؤدي الى شلل في السوق، وإغلاق فروع الشركات وتوقف الاستثمار، والوقوع في فخ المديونية الى درجة حرجة، تؤثر في وضع البلد السياسي والاجتماعي، ويتراكم سوء الادارة ويتفشى الفساد.
تسنُّ الدول قوانين وتشريعات، تحظر التعامل الاقتصادي مع خصومها؛ رغبةً منها بإخضاعها الى اتخاذ سياسات معينة، وبذلك يحدد النظام السياسي القدرة على تطوير القطاعات الأساسية للدولة وأٔهمها الانتاجية، ويهتم علم الاقتصاد بدراسة التأٔثير في السياسة، وتسعى السياسة نظريا للتأثير في الناس عبر ممارسات السلطة.
 يُعد الاقتصاد غير سياسي، ويرفض الانحياز السياسي والمحاباة ليعطي معلومات محايدة وتوصيات غير منحازة، لتحسين الأداء الاقتصادي للبلد، والسياسيون المنتخبون يقومون لاحقا بتقييم هذه المعلومات الاقتصادية، واتخاذ القرارات على ضوئها، لكن هناك علاقة قوية بين الاقتصاد والسياسة.. والأداء الاقتصادي هو الميدان الرئيس للمعركة السياسية، وقضاياه بطبيعتها سياسية لأنها تتأطر بالآراء السياسية، والعديد من القضايا الاقتصادية، يُنظر لها من زاوية المعتقدات السياسية، وبعض الناس يميلون بطبعهم للشك بتدخلات الحكومة، ويفضلون السياسات الاقتصادية التي تسعى، لتخفيض تدخلات الحكومة في مجالات الاقتصاد، وإمكانية تطبيق هذه السياسات يعتمد على الدعم السياسي لها. 
علاقة السياسة المالية والنقدية للحكومة، والتي تضعها جهة مستقلة (البنك المركزي) هي قضية جوهرية أخرى، وفي أغلب الدول تكون السياسة المالية تقليصية نسبيا، وفقا للوضع الاقتصادي للبلاد.. ومن مسؤولية البنوك المركزية تطبيق سياسة نقدية توسعية أحيانا، لتعويض العجز في السياسة المالية؛ فإذا كان الساسة يتبعون سياسة مالية تقليصية، فإن على البنوك المركزية تكييف سياستها النقدية تبعا لذلك، والبنك المركزي العراقي يرتبط بالحكومة كبقية الهيئات المستقلة، وهذا ما يفرض عملا سياسيا أكثر مما هو اقتصادي، وإن كانت بعض مجالات الاقتصاد متحررة من السياسة كالعرض والطلب، لكن الحكومة هي من يسيطر على الصناعات الاساسية والقطاعات الآخرى، وتستطيع أن تدفع باتجاه مشاريع معينة من دون غيرها باتجاه سياسي.
الاولوية الاقتصادية لا تنحصر بالنمو الاقتصادي وتعظيم الرفاهية النقدية فحسب، بل بتهيئة البيئة المناسبة وتحسين السعادة الإنسانية، وترسيخ مفهوم القناعة المجتمعية بما تملك، وطبيعة الخلفيات البيئية والسياسية، تقف حائلاً أمام الرفاهية الاقتصادية، ومصدات أمام السعادة المجتمعية، وتضارب الأفكار يشعر المواطن بعدم القناعة بما يملك؛ لشعوره بوجود حقوق لم يحصل عليها، وعلاقة السياسة بالاقتصاد تأثير ومؤثر، وتأطير السياسة يجعلها بين قبول ورفض الرأي العام، وعندما يبتعد عن السياسة فإنه يحاط بسياج تخصصي يتقبله الرأي العام، وتقبل الشعب للقرارات الاقتصادية، وتضعه محل لمسؤولية تحمل فاتورة الإصلاح للخروج من الأزمة.
 قرار تعويم العملة لا بد أن يشرح بأنه قرار اقتصادي قبل أن يكون سياسيا، وفعلها من قبل ونستون تشرشل إبان الحرب العالمية الثانية بقرارات سياسية لها تأثير على الاقتصاد وحياة الشعب الانجليزي قائلاً: « ليس لدى ما أقدمه لكم إلا الدم والعرق والدموع». 
بعض الرؤساء تراجعوا عن قرارات اقتصادية، بعد تظاهرات أو تحريض سياسي، وهذا ما يحدث في العراق، وتحديداً من تأثير وباء كورونا على الاقتصاد، ما تطلب اتخاذ قرارات سياسية لتفادي مزيد من الخسائر،  وتبين  تأثير الاقتصاد على صانعي السياسة،  ويبدو أن الاقتصاد يدفع بالسياسة وبالعكس، وبعض الاجراءات الاقتصادية في الدول لم تكن اختياراً، بل قرارات مريرة من أجل أن لا تسقط الدولة، والعراق يمتلك الامكانيات التي تؤهله للنهوض مرة آخرى.
رأى الرئيس فرانكلين روزفلت (1933 - 1945)؛ أن الإحباط وانعدام الثقة والخوف هي أساس المرض فى فترة الكساد العظيم، وما بعد ذلك هو أعراضه.. فقدّم الدعم المعنوى قبل المادِّي، من تشريعات جديدة لبَثّ الطمأنينة والاستقرار، ثم طور البنية التحتية، وتحقق بعد ذلك إنجازه الاقتصادي.