هل يمكن تأسيس مجموعة إقليميَّة لتعزيز الأمن والاستقرار؟

آراء 2021/04/28
...

  محمد صالح صدقيان 
 خطوة اولى خطتها السعودية وايران في مسار ترطيب العلاقة بين البلدين. الخطوة الاولى كانت موفقة والفضل يعود للجهود التي بذلها العراق وتحديدا الحكومة العراقية التي استضافت الاجتماع في بغداد. زيارة وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف للدوحة وبغداد الاسبوع الحالي حملت رسائل شكر وتقدير للبلدين لمساهمتهما في عقد الاجتماع والاستجابة للدور الذي يريد العراق لعبه في محيطه العربي والاسلامي. ومن المفترض ان يعقد لقاء ثانٍ خلال أيام.
 
 المؤشرات الاولية كانت مشجعة من اجل الاستمرار في هذا المسار خصوصا وان الرئيس روحاني أرسل رسالة خاصة لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني على جهوده التي يبذلها من اجل وصول هذه اللقاءات الى مستوى تعاد فيه العلاقات الثنائية وتتم اعادة السفراء الخليجيين لطهران. مثل هذه الخطوة لاتخدم الرياض وطهران فحسب وانما تخدم الأمن الاقليمي وتضع حدا للاشتباك الأمني والسياسي الذي استمر لأكثر من عقد من الزمان. ليس المطلوب ان يقدم كل طرف تنازلات للطرف الآخر، بقدر ما هي الحاجة الى تفاهم على آليات وأسس وأطر للعلاقة التي تكون فيها مصالح هذه الدول في الاولوية، وان تكون مصلحة الاقليم وأمنه واستقراره ضمن هذه
 الاولويات. 
في إطار هذه الاولويات هناك عدة ملفات مهمة وستراتيجية ومقلقة لجميع دول الاقليم، وما لم تطرح هذه الملفات وتوضع على طاولة البحث بين دول الاقليم لايمكن لنا التكهن بمستقبل مستدام لانهاء هذه المشكلات التي تعترض العيش المشترك لشعوب المنطقة كافة. 
منطقة الشرق الأوسط تعاني منذ زمن غير قصير من قلق وتداعيات وجود السلاح النووي، إذ تشير الارقام الغربية الى امتلاك اسرائيل 400 رأس نووي على اقل تقدير، فضلا عن قنابل ذرية مختلفة الاحجام والمقاسات؛ وان مثل هذه الترسانة النووية لايمكن مواجهتها إلا من خلال جهد اقليمي يجعل المنطقة خالية من السلاح النووي، خصوصا في ظل قلق وتخوف من لجوء ايران الى امتلاك مثل هذا السلاح في حال فشل المفاوضات مع المجموعة
 الغربية. 
المنطقة أيضا تعاني من حروب وأزمات يضعها البعض في باب رغبة بعض دول الاقليم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الاخرى؛ في حين يرى الآخر أنها استجابة لطلب مشروع لهذا الدول على خلفية عزم بعض الدول العمل على تغيير الانظمة السياسة استنادا لاجندة
 خارجية. 
في المشكلة الثالثة الستراتيجية ان بعض الدول ترى ان تحديد من هو العدو؟ مهم بالنسبة لها؛ ولذلك قامت باستبدال اسرائيل بإيران على اعتبار ان الاخيرة هاجمت دول المنطقة في حين ان الاولى مدّت يد العون لها، ومن ثم فإن العلاقة مع اسرائيل حسب فهم بعض دول الاقليم تحقق نوعا من «توازن الرعب» في المنطقة وتحد من «الطموحات الايرانية التوسعية». 
لا أريد مناقشة هذه الملفات المهمة من الناحية الجيوستراتيجية الا ان مثل هذه الملفات وغيرها لايمكن لها ان تتحرك في الاقليم من دون ايجاد حلول وفهم مشترك بمشاركة دول الاقليم من اجل انهائها من دون إلقاء مسؤولية التدهور الأمني والعسكري والسياسي على هذه الدولة
 او تلك. 
طرحت سابقا فكرة ايجاد مجموعة اقليمية بمشاركة دول هذا الاقليم. الهدف ليس ايجاد محور جديد بقدر ماهو ايجاد مجموعة حوارية لمعالجة المشاكل التي تعترض الاقليم وتسهم في استيعاب التحديات التي تواجه هذه الدول. 
الفكرة وجود دول مجلس التعاون الخليجي وهي السعودية وعمان والامارات وقطر والبحرين والكويت فضلا عن ايران والعراق وسوريا ولبنان والاردن واليمن. هذه الدول بكل بساطة هي دول غرب اسيا. ليس مهما الاسم لكن تجربة «رابطة جنوب شرق اسيا» جديرة بالدراسة على الرغم من اهتمامها الاقتصادي بالدرجة الاولى. 
يبدو لي أن العراق قادر على احتضان مثل هذا الاطار الذي يستطيع أن يخلق جوا أكثر أمانا واستقرارا للمنطقة، حتى وان كان الهدف اقتصاديا؛ لان العامل الاقتصادي يستطيع خلق بيئة تكاملية تخدم الأمن والاستقرار في الاقليم. 
إن التفكير بهذه الأطر العملية كفيل بإخراج المنطقة من هذا التوتر المزمن؛ والحروب التي لاتنتهي والمرشحة لظهور ونشوب حروب جديدة وازمات جديدة، كما تنبأ بها وزير الخارجية العماني السابق يوسف بن علوي مؤخرا. 
إن وجود إطار وأمانة عامة وإرادة سياسية لتفعيل هذا الاطار كفيل بمعالجة مشكلات المنطقة عبر أسس الحوار والتفاهم والتنسيق وليس من خلال التوتر والحروب والحملات الإعلامية التي لن تخدم أي دولة من الدول. 
إن المنطقة مؤهلة لدعم مثل هذا الاطار من خلال الامكانات الاقتصادية والثقافية والأكاديمية الهائلة التي تمتلكها دول هذه المنطقة، وفي نهاية المطاف تستطيع ان تكون هذه الامكانات عوامل لتقدم شعوب ودول المنطقة بدلا من الزج بها في أتون الحروب والأزمات.