إطلاق حملة «اعرف حقوقك» التي تعنى بضمانات المتهم أثناء التحقيق
من القضاء
2021/05/02
+A
-A
علي البدراوي
بإشراف مجلس القضاء الاعلى وبالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة وتنسيق المركز الاعلامي لمجلس القضاء الاعلى، جرى في اواخر شهر كانون الثاني من العام الحالي إطلاق حملة “اعرف حقوقك” الاعلانية التي تحاكي ضمانات المتهم.
وتضمنت البوسترات الخاصة بالحملة محاكاة لضمانات المتهم عبر الموقعين الالكترونيين لمجلس القضاء الأعلى ومنظمة الأمم المتحدة كمرحلة اولى. حيث شملت البوسترات الاعلانية شروحات موجزة تتعلق بضمانات المتهم، التي تضمنتها القوانين النافذة بهذا الجانب، من حيث السند القانوني للقبض والتوقيف والتفتيش، اضافة الى أسباب التوقيف ومكانه واشعار الأسرة، والحق في المثول أمام قاضي التحقيق في غضون 24 ساعة، فضلا عن معلومات حول التهمة والحقوق، وحق التزام الصمت وحرية الافادة، والحق في محامي/ التمثيل القانوني، والوقت الكافي والتسهيلات اللازمة لاعداد الدفاع، الحق في اطلاق السراح بكفالة أومن دونها حسب التهمة. يذكر أن المرحلة الثانية من الحملة ستتضمن طباعة بوسترات متعلقة بذات الشأن وتوزيعها بين جميع المحاكم ذات العلاقة وهي محاكم الجانب الجزائي في عموم محاكم استئنافات العراق.
وبهذا الصدد ولأهمية الموضوع نقف مستعرضين بإيجاز ضمانات المتهم في دور التحقيق. حيث يمثل التحقيق الابتدائي مرحلة مهمة من مراحل الدعوى الجزائيةـ وقد أجاز فيها القانون لسلطة التحقيق اتخاذ العديد من الاجراءات، التي تهدف الى تحقيق العدالة وتحكم تلك الاجراءات قواعد أساسية يجب مراعاتها من قبل سلطة التحقيق، وتشكل في مجموعها ضمانات مهمة للمتهم وتكفل سلامة اجراءات التحقيق الابتدائي. ان اجراءات ضمانات المتهم في دور التحقيق تتحدد بأربعة مطالب تصنف الى:
حيادية التحقيق الابتدائي، علانية التحقيق، تدوين التحقيق، الاستعانة بمحامٍ أثناء التحقيق.
حيادية التحقيق الابتدائي
إنَّ التحقيق الابتدائي يراد منه (المحافظة على مصالح المجتمع من الجريمة التي وقعت بتقديم مرتكبيها الى المحاكمة، وضمان مصالح الافراد الابرياء من ان تتخذ الاجراءات غير اللازمة بحقهم واهدار حرياتهم وحرمة مساكنهم وتعرضهم لمحاكمات غير قانونية، ودعاوى لم يقم فيها الدليل وافعال لاتصل الى حد الجريمة). لذا فإن من أهم ضمانات التحقيق الابتدائي هو ان تختص به سلطة يكون لها من كفاءتها واستقلالها وحسن تقديرها وحيادها، ما يطمئن معه الى حسن مباشرة اجراءات التحقيق، واذا ماكانت السلطة التحقيقية بهذه المواصفات فعندها ستحقق أهم الضمانات التي تكفل للمتهم، ما يمكنه من الدفاع عن نفسه واظهار براءته.
يتولى التحقيق الابتدائي بصورة أصلية قاضي التحقيق والمحقق ويمكن أن يقوم به بصورة استثنائية القاضي الذي وقعت أمامه الجريمة أو عضو الادعاء العام والمسؤول في مركز الشرطة. حيث يتولى قاضي التحقيق، التحقيق في جميع الجرائم بنفسه أو بواسطة المحققين الذي يعملون تحت اشرافه، حيث يجري الكشف على مكان وقوع الجريمة، لاتخاذ الاجراءات التي ورد ذكرها في المادة (43) من أصول المحاكمات الجزائية.
ومن الضمانات المهمة للمتهم التي لم يتطرق اليها قانون أصول المحاكمات الجزائية، هي الطعن بالقائم بالتحقيق إذا كان له صلة قرابة بالمتهم أو الخصوم واذا كان بالامكان معالجة هذا الأمر بالنسبة لقاضي التحقيق عن طريق طلب رد القاضي، استناداً لنص المادة (91) من قانون المرافعات المدنية رقم (83) لسنة 1969 المعدل.
علانيَّة التحقيق الابتدائي
انقسمت التشريعات بشأن المقصود من علانية التحقيق الى قسمين:
الاول الى أن المراد منه هو (تمكين اطراف الدعوى ووكلائهم من حضور اجراءات التحقيق، فضلا عن السماح لأي فرد من الجمهور ولو كان من غير الخصوم في الدعاوى بارتياد مكان التحقيق ومشاهدة اجراءاته). وقد أعد هذا القسم من التشريعات بأن العلانية بالنسبة لمن تم ذكرهم هي الاصل والاستثناء سريته.
ومثل هذه العلانية يمكن وصفها بأنها علانية مطلقة وليست نسبية ومن أمثلة هذه التشريعات قانون الاجراءات الجنائية السوداني. أما القسم الاخر من التشريعات فقد نحا منحى مغايراً للاول حيث يرى ان الجمهور ليس له الحق في حضور اجراءات التحقيق، أي انه يأخذ بسرية التحقيق الابتدائي بالنسبة للجمهور وهو الرأي الذي تبناه المشرع العراقي في قانون أصول المحاكمات الجزائية في المادة (57/أ).
تدوين التحقيق
مفهوم التدوين وأهميته:
تدوين اجراءات التحقيق يعني ان جميع أعمال التحقيق وكذلك القرارات التي تتخذ خلال مرحلة التحقيق، يجب أن تكون مكتوبة وتوضع عادة في اضبارة القضية ويبدأ التدوين بفتح محضر للدعوى يتم فيها تدوين الافادات وفقاً للتدرج الذي حدده القانون، ويجري عادة من دون شطب أو تعديل أو اضافة على ماهو مكتوب ويتم التوقيع على المحضر من قبل الشاهد أو المشتكي أو المتهم، فضلا عما نظمه.
إنَّ تدوين التحقيق يسهم في الحفاظ على الاجراءات من شائبة التحريف، لاسيما ان تلك الاجراءات متعددة وأساليب مباشرتها مختلفة، فضلا عن ان انجاز بعضها يستلزم وقتاً طويلا، اذ لا يمكن الاعتماد على ذاكرة المحقق التي لا بدَّ أن تخونه بمرور الزمن.
إنّ اجراءات التحقيق لا تثبت الا اذا كانت مكتوبة في محاضر حسب الاصول، فلا يقبل اثبات الاجراء بطرق الاثبات الاخرى غير الكتابة، ويتعين ان يكون التدوين معاصراً لمباشرة اجراءات التحقيق الابتدائي، فقد نصت عليه غالبية التشريعات.
مبررات التدوين
تدوين اجراءات التحقيق الابتدائي يعد ضمانة مهمة لجميع الاطراف في الدعوى الجزائية، حيث إنه يمكن المتهم من الدفاع عن نفسه، ويكون مدار مناقشة من قبل اطراف الدعوى، وكذلك ضمانة للمحقق عند الطعن بإجراءاته، وأهم مبررات مبدأ التدوين يمكن اجمالها بما يأتي:
التدوين هو الوسيلة الوحيدة لاثبات حصول الاجراء: ان اتخاذ الاجراءات التحقيقية يقضي اثباتها وان اثباتها يتم بالكتابة، وعملية التدوين هي الوسيلة الوحيدة، لاثبات حصول الاجراء والظروف التي تم فيها والنتائج المترتبة عليه.
التدوين يشكل ضمانة مهمة لحق المتهم في الدفاع، ويكون في الوقت نفسه ضمانة للسلطة القائمة بالتحقيق.
التدوين يضفي على التحقيق قوته وقيمته القانونية أمام محكمة الموضوع.
التدوين يمكّن جهات الطعن من فرض الرقابة القضائية على اجراءات التحقيق وتبيين مدى مشروعيتها، سواء تمَّ الطعن من المتهم أو الخصوم او بتدخلها تمييزاً بتلك الاجراءات حسب نص (264/ أ من قانون اصول المحاكمات الجزائية).
البيانات الشكلية الواجب مراعاتها في المحضر عند التدوين:
إنَّ تدوين التحقيق الابتدائي على قدر كبير من الاهمية، فهو يشكل ضمانة مهمة للمتهم والعدالة بوجه عام، أما أهم الاجراءات التي يجب مراعاتها في عملية التدوين فتلخص بالاتي:
تدوين الاقوال كما تسمع من فم الشاهد أو المتهم أو المشتكي، من غير اضافة ولا نقصان، وقد جرت العادة على ان يتم بالفصحة الا بعض التعابير العامية ذات الدلالة الخاصة فتدون بألفاظها.
مكان مباشرة اجراء التحقيق، يكون لتدوين المكان الذي يجري فيه التحقيق اثره في قناعة المحكمة بالدليل المتحصل عند احالة المتهم عليها، حيث يجري التحقيق في مكتب قاضي التحقيق أو المحقق او في مركز الشرطة. حيث يؤدي عدم وضوح المكان الذي يجري فيه التحقيق الى بطلان الاجراء، وهذا ماذهبت اليه محكمة التمييز الاتحادية في قرار لها (اقوال المتهم المدونة أمام جهة غير مختصة لا تصلح أن تكون دليلا يمكن الاعتماد عليه).
يجب تدوين ساعة وتاريخ مباشرة الاجراء: حيث تكمن أهمية هذا الاجراء في ان القانون يرتب آثاراً معينة على اثبات هذا التاريخ، من حيث احتساب المواعيد والمهلة المحددة، لاستجواب المتهم خلال 24 ساعة ومدد التوقيف ومدد الطعن، ومعرفة في ما اذا كان المحقق مختصا ووقت مباشرته الاجراء.
يجب تدوين الاسماء والصفات: سيثبت القائم بالتحقيق صفته في المحضر، لمعرفة فيما اذا كان له حق مباشرة التحقيق من عدمه، وكذلك من يباشر الاجراء في مواجهته كالمتهم، وان عدم تدوين اسم وصفة القائم بالتحقيق يخل بالتحقيق ويجعله معيبا وبالتالي يبطل الاجراء.
التوقيع على المحضر: بعد الانتهاء من عملية التدوين يجب على القائم بالتحقيق والكاتب أن يوقعا على المحضر حسب نص المادة (63/أ) من قانون اصول المحاكمات الجزائية وكذلك من قبل ذوي العلاقة (المتهم أو الشاهد أو المشتكي وبقية الخصوم)، وكل حسب الاجراء المتعلق به، ويجب أن يتم التوقيع على كل صفحات المحضر في نهايته والتوقيع على كل شطب او حشو او اضافة بين السطور.
ترقيم كل صفحة من صفحات الدعوى وربط المحاضر التحقيقية بصورة صحيحة وتنظيمها وفهرستها وتنظيم سير تحقيق، لايضاح بعض الاجراءات المتخذة يؤشر اليه من قاضي التحقيق، وهذا ما اكدته محكمة التمييز الاتحادية، حيث نقضت القرارات الصادرة في الدعوى وتدخلت بقرار الاحالة ونقضته.
الاستعانة بمحامٍ أثناء التحقيق الابتدائي
يعدُّ حق الدفاع من الحقوق الاساسية للانسان، فوجود المحامي بجانب المتهم أثناء التحقيق الابتدائي، يجعله بمأمن من مخاطر المفاجأة في اتخاذ الاجراءات التحقيقية تجاهه ويتيح له التروي والتريث في اجاباته، بحيث يدلي بأقواله بمنأى عن كل تأثير خارجي عليه، ويؤدي الى ثقة الناس بالسلطة التحقيقية ويجنبها من الشبه وتحاشي الطعن في عملها.
ضمانات المتهم عند مباشرة
اجراءات التحقيق
تتولى سلطة التحقيق اتخاذ اجراءات تحقيقية متعددة، يتعرض فيها المتهم لقيود خطرة على حريته الشخصية، أو تنتهك حرمة مسكنه أو تكشف اسراره، على الرغم من تمتعه في هذه المرحلة بصفة البراءة التي تقرها قاعدة المتهم بريء حتى تثبت ادانته بحكم قضائي، لذا ينبغي إحاطة المتهم بسياج من الضمانات الفعلية، التي تكفل حمايته ضد تعسف الاجهزة القائمة بالتحقيق أثناء مباشرتها لتلك الاجراءات.
ضمانات المتهم في التفتيش
التفتيش هو (الاطلاع على محل منحه القانون حرمة خاصة بوصفه مستودع سر لصاحبه، لضبط ما عسى ان يوجد فيه ما يفيد في كشف الحقيقة عن جريمة معينة) والتفتيش حسب طبيعته يمس حق المتهم في سرية حياته الخاصة، ويتمثل مجال هذه السرية أما في شخص المتهم أو في المكان الذي يعمل أو يقيم فيه، وذلك حسب نص المادة (72/أ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية.
حق الصمت كضمانة من ضمانات المتهم
يعدُّ حق الصمت أحد الضمانات التي اباحها القانون للمتهم عند البدء بمرحلة التحقيق وجمع الأدلة في الجريمة هو نتاج افتراض مبدأ البراءة، أي ان المتهم بريء حتى تثبت ادانته بأدلة قاطعة وقرائن قانونية، مستمدة من واقع الجريمة وظروف ارتكابها، وان هذه الضمانة أي حق (الصمت) لم تأتِ اعتباطاً ولم تكن منه من قبل المشرعين، وإنما هي نتائج تطور الفكر القانوني والانساني عبر مرور الزمن وكذلك عبر تطور الانظمة القانونية.
إنَّ أهمية حق المتهم في الصمت متأتية من أهمية حقوق الانسان نفسها وكذلك أصبح هذا الحق من المعايير الدولية للمحاكمات العادلة، كما أن المؤتمرات الدولية والحلقات النقاشية والدراسية قد أولت هذا الحق اهتماما بالغا كما ان النظم الديمقراطية قد دفعت به الى الأمام.
حق الصمت
إنَّ حق الصمت للمتهم يمكن تعريفه بأنه (حرية المتهم في الكلام والاجابة عن الاسئلة التي توجه اليه او الامتناع عن ذلك، ولا يعد امتناعه دليلا ضده على ان ينبه المتهم قبل اجراء التحقيق معه بأن له الحق في الامتناع عن الاجابة عن الاسئلة التي توجه اليه. وعليه يمكن أن نستمد من هذا التعريف مجموعة أسس حق الصمت الممنوحة قانوناً للمتهم، والتي يجب على القائم بالتحقيق مراعاتها وعدم خرقها، وهي كالاتي:
على القائم بالتحقيق ضرورة تنبيه المتهم أن له الحق في التزام الصمت وقبل المباشرة بأي اجراء تحقيقي معه.
افهام المتهم ان له الحرية الكاملة في الكلام في الاجابة على الاسئلة التي توجه اليه او حرية الامتناع عن الاجابة.
ألا يعد الصمت دليل ادانة ضد المتهم، لأنه يستعمل حقا مقررا في القانون.
عدم استخدام الوسائل غير المشروعة للتأثير في المتهم للحصول اعتراف او اقرار منه.
أنواع الصمت
الصمت نوعان، صمت عمدي وصمت طبيعي.
الصمت العمدي، وهو الصمت الذي يمتنع بموجبه المتهم عن الكلام والاجابة عن الاسئلة التي توجه اليه قبل القائم بالتحقيق او القاضي، سواءً كان قاضي التحقيق او قاضي محكمة الموضوع، اي ان المتهم يمتنع عن الاجابة عن الاسئلة، من دون أن يكون هناك عائق صحي او طبيعي يمنع المتهم من الكلام او الاجابة، وبمعنى اخر هو الصمت الذي يتعمده المتهم للحيلولة دون الاجابة.
الصمت الطبيعي
وهذا الصمت عندما يكون المتهم أصم أو ابكم، أي انه يعاني من حالة صحية تحول دون امكانية الكلام.
وفي هذه الحالة اذا كان المتهم يستطيع الكتابة، فما على القاضي الا أن يحرر له السؤال والمتهم يجيب عنه كتابة، اما اذا كان المتهم لايستطيع فيعين له القاضي مترجما له خبرة التحدث مع الصم والبكم.
حق الصمت
في القانون العراقي
مع تقدم الحقب تطورت النصوص المتعلقة بحق الصمت في القانون العراقي، وصولا الى الدستور العراقي النافذ الذي صدر في عام 2005 ، حيث اشار في نص المادة 19 (الباب الثاني/ الحقوق والحريات – الفصل الأول/الحقوق – الفرع الأول/ الحقوق المدنية والسياسية):
الى ان (المتهم بريء متى ثبتت ادانته في محاكمة عادلة)، لذا فإن حق الصمت في القانون العراقي حق كفله القانون والدستور أوجب طلب مراعاته بأعتباره ضمانة المتهم التي لايجوز مخالفتها أو اغفالها.
أما بالنسبة لقرارات المحاكم العراقية وعلى رأسها قرارات محكمة التمييز، فإنها تأخذ اعتراف المتهم بشيء من التأني والحذر وتقف عنده وقفة للتحليل والتفسير وتقدير نتائج الاعتراف مقارنة بما هو موجود في أدلة أخرى في القضية، اذ اقتضت في احد قراراتها (حيث ان الاقرار الصادر عن المتهم غير خال من الشوائب والظنون، فلا يجوز الاعتماد عليه بشكل مطلق).