رزاق عداي
التغيير في السياسة الخارجية الاميركية بعد مجيء - بايدن- لم يتوقف عند هذه الحدود، انما تعدى ذلك نحو اتجاهات ستراتيجية الاميركية ابعد كثيرا، وفقا لتغيرات في موازين القوى الدولية، فقد اعلن الرئيس الاميركي بايدن بدء انسحاب القوات الاميركية من افغانستان، اعتبارا من الاول من ايار 2021 على ان يكتمل بحلول 11 ايلول من السنة نفسها معلنا ((ان القوات الاميركية وحلفاءها في العمليات، ستكون خارج افغانستان قبل مجيء الذكرى العشرين لهذا الهجوم الشنيع في 11 ايلول.
بعد ضرب برج التجارة العالمي في 11 ايلول 2001 بدا العالم اكثر تعقيدا جراء النزعة الاحادية في السياسة الاميركية، بتصور كونها القطب الوحيد في العالم، فاستبعدت مشاريع المحكمة الدولية لجرائم الحرب بمحكمة عسكرية اميركية خاصة، وكانت الحوارات في البنتاغون الاميركي تجرى على مدار الساعة بشكل محموم، وكان رامسفيلد، وزير الدفاع الاميركي، قد حذر في أحد المؤتمرات قائلا، ((عندما ننظر الى الدمار الذي الحقوه بالولايات المتحدة الاميركية، نتخيل ما يمكن ان يفعلوه بنيويورك او لندن او باريس بالاسلحة الكيميائية او البيولوجية)).
وهكذا دشن العالم حقبة محاربة الارهاب، في وقت خيمت موضوعة الارهاب كمهيمنة، واصبحت مفهوما وخطابا شاملا ومتضخما، وبالمقابل الاجرائي، كان المتخذ الاجرائي له يجرى على قدم وساق، اذ برزت ما تسمى بالضربات الاستباقية التي لا تأبه لضوابط القوانين الدولية، وبعيدة عن مقررات الامم المتحدة، وفي هذا الوقت ومع ان افغانستان هي المدانة بالقرائن في احداث نيويورك، برز اسم العراق قبل افغانستان بحجة حيازته لاسلحة الدمار الشامل، (كيميائية وجرثومية) يفوق ما تمتلكه افغانستان، ولكن الامور جرت لاحقا، واحتلت افغانستان قبل العراق بحجم تورطها الفعلي في احداث برج التجارة الدولي في نيويورك.
لذلك ظل مفهوم الحرب على الارهاب يشكل مناخا، اججه ظهور عصابات ارهابية فاعلة ومؤثرة في مستوى الفعل، مثل القاعدة وداعش، حتى ان الاخيرة احتلت أراضي واسعة جدا في سوريا والعراق، كما انها شكلت حضورا خطرا في منطقة الشرق الاوسط عموما والعراق خصوصا، ورغم انحسار وتيرة الارهاب الا انه ظل يبدي فعالية ملحوظة، لذلك لم ينقطع خطره تماما وبقي شعار الحرب على الارهاب قائما، ففي اللقاء البروتوكولي بين الرئيس العراقي برهم صالح والرئيس الاميركي السابق ترامب على هامش منتدى دافوس الاخير اكدا ان العلاقة التي تربط بين البلدين هو التحالف في الحرب على الارهاب.
ربما يكون الانسحاب الاميركي من العراق اكثر تعقيدا من نظيره الافغاني، اذا ما أخذنا بعين الاعتبار الرهان الاميركي الخاص على التجربة الديمقراطية في العراق، التي تعاني خللا مزمنا، كما ان صراعها الطويل والمتنامي مع ايران يفرض عليها تواجدا قريبا ضمن المعادلات المتشكلة في المنطقة، تبقى رؤية الرئيس (بايدن) وفريقه تختلف جذريا عما سبقها، فعمدت الى تغير الستراتيجيات والاولويات في الملفات، فمثلما كان الاحتلال لافغانستان قد سبق الاحتلال للعراق، فقد يكون ملف الاخير سيكون له الدور التالي لانسحاب القوات الاميركية والاحتفال في مناسبة لاحياء ذكرى 11 ايلول 2001.