أغنانا أميرُ المؤمنين (ع) عَن الغوص في أعماق التاريخ، واستعراض ما قاله المؤرخون عنه، حين تحدث بنفسه عن نفسه.
واذا كان معظم الناس يُتَهَمُون حين يتحدثون عن أنفسهم بالكثير من المبالغات، بُغْيةَ تلميعِ صورهم، فإن عليا (ع) لا يستهدف في حديثه – سواء كان عن نفسه أو عن غيره إلا بيان الحقيقة الناصعة البعيدة عن كل ألوان الزيف
وهذه هي سمات عظمته.
- 3 -
ونُذّكر هنا:
أنّ مشاهير الصحابة كانوا قد عاشوا القسم الأكبر من حياتهم في ظّل الجاهلية، بكل ما فيها من هبوطٍ وانحدارٍ، لا في الجانب العقائدي الذي يُقدّس الأصنام حدّ العبادة فحسب، بل في جميع الجوانب الأخرى الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية ...
ثم مَنَّ الله عليهم بالهداية، واعتناقِ الاسلام، فأخرجهم الرسول (ص) من الظلمات الى النور.
- 4 -
أما عليّ (ع) فكان النسخة الفريدة التي ليس لها مثيل.
فقد عاش في كنف الرسول (ص) ورعايته المباشرة وصُنِعَ على عَيْنِه، وصاغه صياغة فريدة متميزة، راحت البشرية كلها لا المسلمون وحدهم، تتغنى بها وبما ضمّته من علّو ورفعةٍ في المسارات كُلِها.
واذا كان (ص) يقول:
“أَدّبنِي ربي فأحسنَ تأدِيبي”
فقد توّلى هو تربية على (ع) وتأديبه بنفسه،
ومن هنا كان عليٌّ (عليه السلام) نَفْسَه – بنص أية المباهلة –
يقول الشاعر عبد الباقي العمري – رحمه الله - :
المرتضى للمصطفى نَفْسُهُ
وقُلْ تعالوْا فيهِ نَصٌّ جَلي
- 5 -
والآن لنستمع الى أمير المؤمنين (ع) وهو يتحدث عن نفسه فيقول:
{وقد علمتم موضعي مِنْ رسول الله (ص) بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة:
وضعني في حِجْرِه وأنا وليد،
يضمّني الى صَدْرِه،
ويكنفني في فراشه،
وَيُمِسُّني جَسَدَهُ،
ويُشمُّنِي عَرْفَهُ،
وكان يمضغ الشيء ثم يُلقمنيه، وما وَجَدَ لي كذبة في قول، ولا خطلة في فِعل ...}.
الخطبة 192 / من نهج البلاغة
- 6 -
وهكذا كانت حياة علي (ع) ابتداءً بمولده الفريد في بيت الله الحرام، وانتهاءً بالضربة المسمومة التي تلّقاها وهو في محرابهِ بالكوفة، فصولاً متعاقبةً متوالية حافلةً بالنقاء والعطاء، ونابضةً بأسمى معاني العظمة، علماً وعملاً وخُلُقاً وتجسيداً لمعاني القرآن فكان (مع القرآن والقرآن معه) ولم يَحِدْ عن الحقّ قَيْدَ أنملةٍ (فعليُّ مع الحق والحقُّ مع علي)
وصار هو المحك الذي يُعرف به (المؤمن) من (الكفور).
ولقد كان المنافقون في المدينة يُعْرَفُون ببغضهم لعليّ (ع)،
وحتى الساعة فإنّ كل السلالات الخارجة على الاسلام والمتشبثة به زوراً وبهتانا – كالدواعش واخوانهم من الرضاعة - يناصبونه العداء ويتتبعون عُشّاقه ومُحِبيه بكل ألوان الفتك والايذاء.
- 7 -
اللهم اكتبنا في ديوان مُحِبيهِ، ووفقنا للثبات على ولايته الى يوم الدين.