محمد صالح صدقيان
ثلاث جولات من المباحثات في فيينا من اجل احياء الاتفاق النووي تنتهي برجوع الوفود الى بلدانها من اجل التشاور مع حكوماتها قبل ان تستأنف مرة اخرى. آخر هذه الاجتماعات كانت قد انتهت يوم السبت الماضي قبل ان تقرر استئناف الاجتماع يوم الجمعة المقبل. المفاوضات في ما أعلن عنها شكلت لجنتي عمل الاولى مختصة بجرد العقوبات التي يجب ان ترفع من قبل الولايات المتحدة؛ بينما الثانية ركزت على آلية عودة ايران عن خطواتها التصعيدية في برنامجها النووي.
في الاسبوع الثاني انهت اللجنتان اعمالهما وقدمت تصوراتهما. في الاسبوع الثالث تم الاعلان عن بدء اعمال لجنة ثالثة لدراسة امكانية عودة الجانب الاميركي لطاولة المجموعة الغربية. هذه اللجنة سميتها لجنة وضع اللمسات الاخيرة على احياء الاتفاق النووي. لكن هذه اللجنة ايضا لم تستطع اكمال اللوحة التفاوضية لعودة الجانب الاميركي لطاولة الاتفاق النووي. هل توجد عناصر خفية في المفاوضات الجارية في فيينا؟ هل فعلا توصلت هذه المفاوضات لنتائج ايجابية لم يبق منها سوى الاعلان عن احياء الاتفاق النووي؟ ولماذا تتعارض المواقف الاميركية القائلة بمسار طويل امام المفاوضات، بينما الايرانيون يتحدثون عن وصولها الشاطئ الآمن مصحوبة بتبادل للسجناء وافرج عن اموال محتجزة نفاها الجانب الاميركي؟ ما حقيقة هذه المواقف؟ وماذا يجري؟ وهل هناك عناصر مخفية تتم مناقشتها قبل الاعلان عن التوصل لاحياء الاتفاق النووي؟.
لم تكن الاجابة عن هذه الاسئلة متاحة الا من خلال نافذة مطلة على قاعة الاجتماعات في كراند اوتيل الفييناوي. دبلوماسي اوروبي تشكل بلاده احد اعضاء مجموعة 4+1 سلط الضوء على الجانب الخفي من المفاوضات، مشيرا الى وجود مسارين في هذه المفاوضات؛ مسار العودة للاتفاق كما كان عام 2015 وهذا يعني التزام جميع الاطراف بالغاء العقوبات وعودة ايران عن خطواتها التصعيدية وهذا المسار سالك لايران وللولايات المتحدة. المسار الثاني – يضيف محدثي – وهو ما يحدث في فيينا حاليا ليس فقط لاحياء الاتفاق النووي، وانما ما له من علاقة بأزمات اقليمية قائمة كاليمن وسوريا ولبنان والعراق؛ وما هو متعلق بالضغوط التي تمارسها اسرائيل على ادارة الرئيس الاميركي جو بايدن والذي تجسد في زيارة مدير جهاز الموساد الاسرائيلي لواشنطن ولقائه الرئيس بايدن، اضافة الى زيارة مستشار الامن القومي الاسرائيلي ولقائه مستشار الامن القومي الاميركي جاك سلفان. وعلى الرغم من ان المعلومات لم تتحدث عن تقدم حصل خلال الزيارتين، لكن اسرائيل تثير قضايا لها علاقة بالطائرات المسيرة وما هدد مفاعل ديمونا وامكانية استخدام صواريخ ارض ارض او ارض جو من الارضي السورية.
محدثي الاوربي يعتقد ان الجانب الاميركي محكوم بمحددات تجعله يتقدم خطوة ويتاخر خطوتين بسبب عدة عناصر. فالضغط الداخلي الكبير يعمل من اجل عدم العودة للاتفاق النووي. هذا الضغط ليس فقط من الجمهوريين الذين هللوا لانسحاب الرئيس ترامب من الاتفاق وانما ايضا من اصوات داخل الحزب الديمقراطي. العنصر الاخر هي العقوبات التي تطالب طهران بازالتها وهي جميع العقوبات التي فرضها الرئيس ترامب، حيث تواجه هذه القضية معارضة لدى البعض في الداخل الاميركي والذي يرى من الممكن ازالة تلك المتعلقة بالبرنامج النووي الايراني، بينما باتت الادارة مقتنعة بضرورة ازالة جميع العقوبات التي فرضها ترامب من اجل احياء الاتفاق والعودة لطاولة 5+ 1 للحوار مع ايران وجها لوجه لحل بقية الملفات. العنصر الثالث ان العديد من مراكز القرار في الداخل الاميركي تحاول او تطالب حصر بعض القضايا المتعلقة بالمفاوضات بقضية الصورايخ البالستية والعلاقات الايرانية الخارجية المرتبطة مع بعض الجهات والتيارات
الايدولوجية.
يعتقد محدثي ان امام الادارة الاميركية استحقاقات مهمة يجب عليها اخذها بنظر الاعتبار. اول الاستحقاقات تاريخ الانتخابات الرئاسية الايرانية التي تجرى في 18 يونيو حزيران القادم واذا لم يحصل تقدم في المفاوضات فهذا يعني ان المفاوضات سوف تؤجل الى ستة اشهر على اقل تقدير وتحديدا لحين تشكيل الحكومة الجديدة وحصولها على ثقة البرلمان وترتيب اوراقه؛ بينما الاستحقاق الثاني الذي لايقل اهمية وهو تاريخ 22 مايو ايار تاريخ انتهاء الاتفاق بين ايران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهذا يعني ان ايران سوف تقوم بإتلاف جميع التسجيلات المسجلة منذ ثلاثة اشهر. بمعنى ان الوكالة سوف تفقد اي ادلة على البرنامج النووي الايراني وهذا فراغ قانوني مهني، لا تتمكن الوكالة من تحمل مسؤوليته لوحدها. اضافة الى استحقاقات تتعلق بقمة حلف الناتو وقمة الدول السبع الصناعية.
وعندما سألت محدثي الاوروبي؛ هل ان المفاوض الاميركي يعلم بهذه الاستحقاقات؟ قال اكيد لكنه محشور في زاوية لا يحسد عليها.
تركت محدثي الاووربي بعدما ايقنت وجود مشكلة حقيقية، لكني ادركت ان شهر مايو ابريل الجاري سوف يشهد تحريكا مهما ليس للاتفاق النووي فحسب وانما للعديد من الملفات الاقليمية.