ضمن موسوعة "الفولكلور الصغيرة" صدر عددها الأول الذي أبدعه الباحث محمد الخالدي في مسعى منه لجمع وتوثيق ودراسة كل ما يتعلق بالتراث الشعبي من فنونٍ وآداب وتراثٍ غنائي وأزياءٍ شعبيَّة, وهذا مشروع كبير يحتاج الى جهود فريق متفرع من الباحثين للنهوض بهذه المهمة النبيلة, في حين إن ــ الهوسة الشعبية في العراق ـــ هي جهد فردي لباحث محب ومهتم بتراث الوطن وفنونه وآدابه, ورغم صغر حجم هذا الجهد ــ حجم كف ــ وقلة صفحاته ( 98) صفحة, إلا أنه قدّم للقارئ معلومات غاية في الدقة والفائدة.
ويتضح ذلك من خلال عنوانات هذا الكتيب الجميل التي منها: (نبذة تعريفية بالهوسة, ما قاله الباحثون فيها, كيف بدأ نظمها, أنواعها, أغراضها, من أشهر روادها في العراق, وما الفرق بين الاهزوجة والهوسة, فضلاً عن هوامش البحث ــ ص 69 ــ
ص 92).
في (تمهيد) يقول محمد الخالدي: "تعدُّ الهوسة أو الردسة كما تسمى ايضاً ـ أحد أنواع الشعر الشعبي العراقي التي تنظم عادة بأربعة أشطر, تكون الأشطر الثلاثة الأولى بمثابة التهيئة للربّاط (القفل) الذي يعدّ روح الهوسة. لا بل هو الهوسة في حقيقة الأمر. ومن الملاحظ أنَّ الأشطر الثلاثة الأولى لا تتقيد بوزن معين فربما تنظم بوزن الدرامي, أو الموشح, أو التجليبة أو غير ذلك, أما الرّباط فله وزنٌ خاصٌّ فيأتي في الأعم الأغلب على بحر المتدارك".
ولا بُدَّ من الإشارة الى أنَّ هذا الفن القولي استدعته طبيعة الحياة في الريف العراقي وتشابك العلاقات وتنافرها بهدف إثارة الهمم وشحذ العزائم والتفاخر خلال التجمعات البشرية في الأفراح والأحزان.
ومن أبرز ما قيل عنها ما قاله الأب انستاس ماري الكرملي في كتابه "مجموعة في الأغاني العامية العراقيَّة" الصادر عن دار الشؤون الثقافية عام 1999 بتحقيق وشرح وضبط ألفاظه. عامر رشيد السامرائي إذ يقول الكرملي: "إنها أكثر أنواع الشعر الشعبي شيوعاً بين القبائل التي ألفت الغزو, وشن الغارات منذ أحقاب عديدة".
في حين يرى عبد الكريم العلاف أنَّ الهوسة "تفجيرٌ عاطفي يثير الهمم الرواقد, ويعلن الحرب, ويقدّس الأمجاد المتوارثة, ويسب العدوان".
في الوقت الذي يقول عنها المؤرخ علي الخاقاني: "إنها ضربٌ من الفن التهكمي".
ويرى عبد الحميد العلوجي الهوسة: "أبيات من الشعر الشعبي الحماسي المحرض لاقتحام الأهوال".
ويراها عبد الامير جعفر: "صرخة احتجاج
وتحدٍ".
وعن الأنواع الشائعة للهوسة في العراق يشير الباحث محمد الخالدي الى نوعين شهيرين منها هما (العكيلية، والحجيمية)، ويورد أمثلة لكل نوعٍ منها وهذا نموذج للهوسة العكيلية التي قالها الشيخ مشير المزهر الفرعون:
انهضوا إوياي يا شبان انهضوا إوياي
اتركوا النوم, أكطعوا الزاد, أكطعوا الماي
علي جودت وزير اعراكنه وي واي
((اسنط بالله أشهل عيله))
أما الحجيمية فقد قالها الشاعر عبد السادة الكصاد:
تلعب دومنه وكاغد حكومه اشلون مرتاحه
من ملهى لعد ملهى ومن ساحه لعد ساحه
ما تدري الشعب مالوم ساعه أو كبّر صياحه
((كل يوم أو صاوغ نوري إبهاي الناس ادخيلك بالله ادخيلك))
وأخيراً لا بُدَّ من الإشارة الى أشهر رواد (الهوسة) في العراق وهم كثر نذكر منهم الشيخ عجمي آل باشا السعدون, الشيخ شعلان ابو الجون, الشيخ عبد الواحد آل سكر, الشيخ مرزوك العواد, الشيخ عزارة المعجون, الشيخ سعدون الرسن, الشيخ عجة الدلي, المهوال عبد السادة الكصاد, والمهوال عباس الفتلاوي, والمهوال حدّاوي ابو عبد, وغيرهم الكثير.
وفي الختام أتمنى للباحث المثابر محمد الخالدي أنْ يواصل إصدار موسوعة "الفولوكلور الصغيرة"، متحدياً الصعوبات الإنتاجيَّة وقلة الدعم له، وأرجو أنْ تتاحَ الفرصة للمهتمين بتراثنا الجميل بالاطلاع ومتابعة وقراءة ما يبدعه الخالدي، وفي ذلك مثار إعجابنا
وتقديرنا.