كاظم الحسن
بعد ولادة الدولة الدستورية، لا بد ان تكون الشعارات التي تتحدث عن الديمقراطية والتوافق مترجمة الى الواقع، والا فإن العراق يبقى يراوح في ذات المكان ولا يحقق اي تقدم او ازدهار اقتصادي، ومن البديهي ان الاستثمارات الاجنبية والتنمية الاقتصادية لن تتحقق من دون استقرار سياسي، لقد دفع العراق الكثير من الدماء من اجل التحرر من الواقع الالغائي والاقصائي، الذي يقود اصحابه الى الدمار والانهيار في جميع مجالات الدولة.
العالم الذي نعيش فيه، هو عالم اقتصادي وتؤدي فيه السياسة دور المحفز والمطور والمعززله.
فالمشكلات التي يعاني منها المجتمع، هي اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية لا يمكن معالجتها ووضع الحلول الناجعة لها من غير جذب واستقطاب جميع القوى السياسية، وبعد توفر الثقة والاطمئنان والشعور بالامان، من أن المطالب المشروعة هي محل تقدير وحترام والتزام الاطراف الأخرى، يصبح من السهل على الجميع تناوب وتداور الادوار ما بين المعارضة والسلطة. وهي حالة مشروعة بعد سنين طويلة من فقدان الثقة والمصداقية، وعليه لا بد من وجود ضمانات بين الكتل السياسية، يعززالثقة ويسهم في تبديد المخاوف ويشعر الجميع انهم شركاء في الوطن، وبعد أن ينال الجميع حقوقهم المشروعة، ستكون تلك الخطوة الحجر الاساس لعراق جديد، قائم على القواسم المشتركة قولا، وفعلا ويؤدي ذلك بطبيعة الحال الى ان ينعم الجميع بالرفاه والازدهار والرقي ويكون العراق قدوة يحتذى به في الشرق الاوسط.
إنَّ الديمقراطية التي تكفل الحقوق للجميع، تعتمد على الرفاهية التي تذيب الفقر والعنف، وعلى الرغم من أن بعض الدول تحاول فصل التنمية الاقتصادية عن السياسية وهذه محاولات بائسة لتجميل لدكتاتورية، باسم التراث والاصالة، اذ ان قضية اولوية الاقتصاد على السياسة هي سمة المجتمعات الحرة ولها طابع كوني يتعدى العرق والدين والهوية. النظام السياسي ليس عليه الانفتاح على الداخل فحسب، بل عليه الانفتاح على الخارج ايضا، فلا يمكن ان يعيش في عزلة، وشاهدنا كيف ان دولا عظمى تجد صعوبات كبرى في مواجهة الكوارث الطبيعية من دون مساعدة الدول الاخرى؟ .فالقوة وحدها مهما عظمت لاتستطيع ان تحل وتعالج المعضلات المتنوعة،التي يشهدها العالم، ولو كانت القوة هي الراجحة لبقي الاتحاد السوفيتي السابق والدول التابعة له، في مسيرة التسلح والنظام الشمولي- الذي يتبنى الاقتصاد الاوامري كما يطلق عليه الباحث الاجتماعي فالح عبد الجبار وليس الاقتصاد الحر- لا سيما ان تلك الدول امتلكت ترسانة نووية ضخمة غير مسبوقة في تاريخ التسلح واهملت التنمية البشرية.