الاعتذار ثقافة ومنهجاً

آراء 2021/05/09
...

 علي الخفاجي
 
استهلت الكاتبة الاميركية الشهيرة (بيكي ستريب) إحدى محاضراتها والتي تناولت فيها الاعتذار كمبدأ للحياة وكيفية تقديمه ومتى يقدم، إذ ذكرت «في بعض الأحيان جميعنا يخطـئ، ولمعرفة كيفية تقديم اعتذار صادق يعد مهارة حياتية تستحق الشكر
والاحترام».
في المجتمعات المتحضرة نجد أن ثقافة الاعتذار تعد جزءًا من مقوماتها فتجدها متأصلة فيهم، ويتم زرعها منذ الصغر ويتم تنشئة المجتمع عليها من خلال التربية والمناهج الدراسية التي تحث على ذلك من خلال إعـداد مناهج خاصة بالأخلاق ونشر ثقافة الاعتذار؛ ونرى ذلك على أعلـى المستويات الحكومية لهذه المجتمعات، بل نجد أن كثيرا من المجتمعات تصفح عن كثير من المخالفات بمجرد الاعتذار. 
 دائماً مانسمع بأن الرئيس أو المسؤول الفلاني قدم اعتذاراً رسمياً للشعب عن فعل قد ارتكبه هو أو فرد من أسرته واستغل فيه سلطته؛ بسبب فضيحة تتعلق بتنظيم موائد ممولة حكومياً دعا اليها مناصريه، أقدم رئيس الوزراء الياباني السابق «شينزو آبي» الى الاعتذار الى النواب والشعب الياباني وقال أنا نادم بشدة على ذلك واتقدم باعتذاري عن فعلتـي، بالتأكيد مثل هذه الافعال لم تأتِ من فراغ بل هي ناتجة عن ثقافة مجتمع وبيئة صحيحة تنتعش فيها القيم المثلـى.
المجتمعات العربية تفتقد كثيراً لهذه الثقافة لأنهم يعدونها جزءًا من الخضوع ودليل ضعف وخلل في الشخصية، وهذا مانجده في أغلب مجتمعاتنا نتيجة الثقافة البدوية المتأصلة بالشخصية العربية ويبدو لايمكن الانفكاك منها، فالرجل بمنظورهم لايخطئ ولايعتذر، فليس من شيم الرجال الاعتذار، ووفقاً لهذا المنطق فهي قد أوصدت الأبواب أمام التسامح والاعتذار.
لم نجد أي سياسـي أو أي مسؤول يعتذر عن أفعالـه فتجدهُ يبرر فعلته دون أي اعتذار؛ فالنرجسية التي تحوم عليهم تحتم على أشخاصهم عدم الاعتذار عن أي فعل اقترفوه، فتجدهم دائماً محاطين بأشخاص مهمتهم الرئيسة تمجيد أفعالهم والترويج لها، وهذا ماينطبق على أغـلب السياسيين العراقيين فلم تجد أياً منهم قدم اعتذاراً عن أي فعل سلبي قام به تجاه المجتمع، بل يعمل على تبرئة نفسه ويسعى بأي أسلوب لإتهام الغير، الاعتذار السياسي يعد وسيلة من وسائل حسن النية مع الجمهور فهو يعد شجاعة للقائم به، وكما يعد كشفاً للذمة العقدية بين المواطن والسياسي، ومن ثم يفتح آفاقاً واسعة لردم الهوة التي في الغالب موجودة بين
الطرفين.