مشروع الحوار الوطني الأخير والاستجابة الضعيفة له

آراء 2021/05/09
...

  رزاق عداي
الدعوة لحوار وطني، المطروح من قبل الحكومة مؤخراً، لم يلق استجابة كبيرة، من لدن التيارات السياسية في الساحة العراقية، ومن الجمهور ايضا، ليس لعدم جديته، او التشكيك في نواياه، انما لتكرار مثل هذا الخطاب، وفشله في المرات السابقة، فتولد من جراء ذلك فقدان ثقة بمثل هكذا مشاريع، فطروحات لحكومات سابقة
 
 ووعود قديمة باتت تفهم من الآخرين وكأنها ترويج لبرامج حكومية غير منتجة، او لتسابق انتخابي، او كدعاية اعلامية (بروبغندا) نحو هدف ما، فقد تعددت الخيبات، ومسار العملية السياسية يشوبه الاخفاق، وهناك تراجع اقتصادي بلغ حداً مأساوياً تمثل في استدانة داخلية وخارجية، وتدهور كبير في خط الفقر.
فالحكومات العراقية المتعاقبة، ظلت مصرة على أنها تدشن وتنهمك في عملية ديمقراطية، ولكنها طيلة هذه السنوات، لم تتمكن من ان تحقق استقرارا سياسا من شأنه أن يهيئ أرضية صلبة للانطلاق في مسار تنمية واستثمار، تجلى ذلك في سوء ادارة فادح، وفساد كبير مستشرٍ في اغلب مفاصل الدولة، فالجدل اليوم يجري في مستويات شتى في مسؤولين من الحكومة وحتى في الشارع عن جدوى تجربة حكم في العراق ديمقراطي، في الوقت نفسه يظهر جلياً منحنى دولة ينحدر عبر تبديات امنية وسياسية واقتصادية غير مستقرة، فالسؤال الملح يظل يدور في مدى الجدوى المستخلصة من هذه المشاريع، والنتائج المرجوة منها؟. 
في حوار مثل هذا لا يمكن ان نخلق قطيعة تامة عما مر به العراق قبل تاريخ 2003، وان كان هذا الحدث التاريخي قد شكل انعطافة نوعية في الفضاء السياسي العراقي لم يسبقه أنموذج مناظر له، الا خلال الحقبة الملكية الى حد ما، فكانت الديمقراطية فيها صورية، ولكننا لم نعدم وجوداً لدولة بمواصفات وممكنات تتنامى ببطء، ربما وجدت فيها التماعات لم تضاهيها حتى العهود الجمهورية، جل ما أريد بلوغه هو: هل يمكن ان تنفعنا ديمقراطية مهلهلة في ظل غياب دولة متماسكة؟، اعتقد الاجابة سهلة هنا، وهو (اي الجواب) البديهي والمعروف  يفسر لماذا تنعدم الثقة في مشاريع الحوار التي تطرح تباعاً، طبعاً يمكن ان ندرك بسهولة ان المسألة هي ليست موضوع الاولويات او من هو الاسبق؟ الدولة ام الديمقراطية؟، فكلاهما متلازمان بعضوية تامة، نقص احدهما يجعل مسألة الحكم كالمعادلة المختلة. 
في العراق لا تكمن المشكلة في الموارد والامكانيات المتوفرة بغزارة، انما العكس هو الصحيح، فالتنمية تأخرت كثيرا فيه، وكان ينظر الى العراق في منطقة الشرق الاوسط كونه الدولة المؤهلة الاولى للوثوب الى المستوى الاعلى من التنمية والتحديث معاً.
المشكلة في العراق هي مشكلة سياسية أولاً وأخيراً، فالعملية السياسية لم تتقدم بخطى محسوسة وبمنطق متنام، فهناك خلل في جوهر النظام السياسي، اسس الى تقاليد متعاقبة ومتداورة، فالمشكل الذي يواجه الحكومة يتمثل في تحدٍّ اسمه التحدي الوجودي للدولة بالدرجة الاولى، فتوفر مقومات الدولة هو الشرط الاساسي في تعزيز الثقة في كل حوار في المستقبل.