إشكالية الديمقراطية: المجتمعات الوسطية

آراء 2021/05/09
...

 د.عبد الواحد مشعل
يشكل التكوين الثقافي للمجتمعات متغيرا أساسا في رسم السلوك الاجتماعي والسياسي والديني فيها، ولعل ابرز العقد والمشكلات التي تعانيها الديمقراطية في مجتمعات العالم الثالث، هي المجتمعات الوسطية المتنقلة من الحياة البدوية الى الحياة الحضرية
 
فهي لم تتمكن من مغادرة  الحياة التقليدية، وقيمها وسننها بشكل كامل،ولا  استطاعت أن تتحول الى مجتمعات حضرية مدنية خالصة، وفي هذا المفصل تكمن مشكلة الديمقراطية في المجتمع العراقي عندما جاءت العشائرية متخفية بثوب الطائفية، لتحدد مسار الديمقراطية من دون النظر الى طبيعة التحول المدني للدولة، وبيقت تراوح مكانها حبيسة ثقافات محلية ضيقة، لم تتمكن من ارساء قواعد المجتمع التعددي الخلاق، وبقيَّ المجتمع متخندقا في زوايا محلية لم يتمكن من تخطي حدودها، ولو أمعنا النظر في المجتمع البدوي الخالص والمجتمع المدني الخالص لوجدنا فيهما جذور الديمقراطية، ففي المجتمع البدوي يكون رئيس القبلية فردا من العشيرة لا يميز عنهم بشيء، سوى شخصيته التي تم انتخابها لمواصفات اقتنعوا بها،فلا يتردد أي فرد من القبلية أن يخاطب الشيخ باسمه، ويطالبه بحقوقه، ويناقشه بشفافية، ويجد أبناء القبيلة تقبلا لهذا السلوك، بصفته جزءا من السياق الاجتماعي العام في محيطهم، وكذلك الحال موجود في المجتمع الحضري المدني، إذ تكون الشفافية حاضرة في سلوك وتصرفات أبنائه، وقد أشار عالم الاجتماع العراقي علي الوردي الى ذلك في سياق تحليله للمجتمع العراقي، وتكمن إشكالية الديمقراطية في مجتمعنا في  ثقافة المجتمع الريفي، سواء الموجود ضمن بيئته أو  ذلك الذي يسكن  الكثير من أبنائه المدينة، وتقمصوا ثوب المدينة وبقوا على نعرتهم  العشائرية  أو استبدلها البعض منهم   -بطريقة مباشرة أو غير بمباشرة- بعصبيات أخرى، لذا فان نجاح الديمقراطية في مجتمعاتنا التقليدية يحتاج الى تحول صناعي،  يعقبه تحول بنيوي ثقافي تستبدل على أساسه العلاقات التقليدية، بعلاقات جديدة مدنية قادرة على اختيار البرامج التي تخدم الإنسان بدلا من خدمة 
الولاء.