العشوائيَّة الرقميَّة العراقيَّة وترشيد {تخمة الاستهلاك}

علوم وتكنلوجيا 2021/05/17
...

  د. صفد الشمري
من المسؤول عن تنمية وتسويق ثقافة ترشيد الاستهلاك في العراق، تحت ضغط الجائحة وإجراءات التباعد التي عززت من إسهامات الأوعية الرقميَّة في التواصل بين أفراد المجتمع، على وفق ما يطلق عليه بالتسوق الإلكتروني، أو «الريبورتي»، ومع صعوبات اقتصادية ومالية نتجت من ضياعٍ كبيرٍ لفرص العمل المحليَّة؟
إنْ كانت الدولة، بمعنى «مؤسساتها التنفيذية والتشريعية»، فعلينا أنْ نقف على مستوى ثقة المستهلكين المحليين بدوافع تسويق تلك الثقافة والترويج لها بشكلٍ واقعي، وإنْ كانت منافعها ستكون لتلك المؤسسات، أم للمستهلكين -من وجهة نظرهم- وكيف لنا أنْ نعمل على إعادة تشكيل صورة تلك المؤسسات التي تطالب بالترشيد، لدى الجمهور؟
وإنْ كانت: «منظمات المجتمع المدني والمراكز العلمية والنقابات والجمعيات المهنية وجماعات وفعاليات الضغط المختلفة»، ينبغي عندها الوقوف على حقيقة إمكانياتها بمخاطبة الجمهور المستهلك، الكبير والمتعدد في مستوياته الثقافيَّة والاجتماعيَّة والاقتصاديَّة، على وفق عنصري الخطاب الإقناعي: بالمشاركة والانتفاع، وهل ستكون قادرة على إيفاء متطلبات تسويق مثل هذه الثقافة لتلك الشريحة الكبيرة، وفي هذا التوقيت بالذات!
 
«رقمنة» المجتمعات!
الظاهرة الرقمية عادت بأثرها في الممارسات الحياتيَّة جميعها، وبأدوات إحداث تنميتها في المجتمعات، حين صارت الأوعية الإلكترونية وسيلة التواصل والتأثير الأكثر فاعلية وأهمية، ومنها ما يرتبط بتنمية ثقافة ترشيد الاستهلاك في زمن التسوق الإلكتروني، وتحت ضغط الظروف التي خلّفتها الجائحة.
ومن هنا.. فإننا نرى بأنَّ دور الأوعية الإلكترونية في مجال تنمية ثقافات الممارسات الاقتصادية والاستهلاكية يسير في العراق باتجاهين متعاكسين: يتمحور الأول في ان تلك الأوعية هي من أشاعت لأغلب الممارسات الاستهلاكية الخاطئة، لدوافع ربحية، أو اجرائية غير مقصودة، تتعلق بالعشوائية الرقمية، وعدم تنمية ثقافة الاستخدام الرقمي نفسها في العراق، ضمن محوري صنّاع المحتوى الرقمي ومستخدميه.
آما الآخر فيمضي بمقولة: إنَّ تنمية الثقافات الصحية بين جمهور المستخدمين على مستوى العالم، تعتمد بالدرجة الأساس على الأوعية الإلكترونية اليوم، لما احتكمت عليه من ميزات المحاكاة والتفاعل والتأثير، ناهيك عن شيوع استخداماتها، وان مثل هذه الوجهة، باتت من المسلمات التي لا تقبل النقض أو التأويل!
إنَّ تقصي دور الأوعية الرقمية في مواجهة أزمة ثقافة ترشيد الاستهلاك تحت ضغط «كورونا»، ينبغي أنْ تقف على تلك الحقائق، حين تبيت الأوعية الرقمية بمنزلة «الخصم والحكم» في سترايجيات الترشيد، فكيف لنا أنْ ننتظر من صناع محتوياتها الانصراف إلى التوعية بالترشيد، وهم ينشغلون أساساً بالتربح من عائدات التسويق الإلكتروني؟.
ويصاحب ذلك، مجموعة من المؤثرات المرتبطة بغياب ثقافة التخطيط الستراتيجي المؤسسي في العراق بشكلٍ عام، ومنها بثقافة ترشيد الاستهلاك، التي يبدأ معها العد وقد لا ينتهي، والتي اقتصرت مضامين المطالبة بها على الجوانب الخدمية الرئيسة فقط، لا سيما في قطاعي الماء والكهرباء، لا بوصفها ثقافة عامة، في وقتٍ يتطلع فيه المستهلك إلى الجهة التي تطالبه بالترشيد على أنها «مقصّرة في أدائها بالأساس»، الأمر الذي أحدث أثره السلبي بعدم ثقة المستهلك نفسه، بمصداقية الجهة التي تطالبه بالترشيد، وهنا تحل المصيبة.
 
ثقافة الترشيد
تاتي أهمية تسويق ثقافة الترشيد من مساعي الحفاظ على الموارد المادية والطبيعية، وبذا فهي ترمي من وجهة نظر المختصين، إلى: تعديل الأنماط والعادات الاستهلاكية، بحيث يتسم السلوك الاستهلاكي بالتعقل والاتزان، حين يكون استهلاك الفرد بالكميات والنوعيات التي تفي باحتياجاته، من دون زيادة أو نقصان.
لقد زادت السلوكيات الاستهلاكية الخاطئة بشكلٍ كبير، ومنها ما يعرف «بتخمة الاستهلاك»، وعادات الصرف والإنفاق غير الموجهة، وبروز العقلية الاستهلاكية غير المنظمة، وإغراق السوق بصنوف الكماليات والإعلان عنها بطرائق مثيرة، مقابل انخفاض الوعي الاستهلاكي في المجتمع، وعدم توجيه أفراده بشكلٍ مباشر، وبذا: فإنَّ تسويق الوعي بثقافة ترشيد الاستهلاك، يستوجب فعاليات ميدانية تدعم ستراتيجيات الوعي نفسها، وعدم ترك المسؤولية على المستهلك وحده في تبني السلوكيات الاستهلاكية الخاطئة.
إنَّ التقنية كانت وستظل منتجاً اجتماعياً، وقد جاءت المعلومات والاتصالات بمنزلة التأكيد الحاسم لهذا الرأي، وبقدر ما يحتاج تهذيب الاستخدامات الرقميَّة الى توفير الوسائل الفنيَّة، فهو يتطلب نوعاً من الابتكار الاجتماعي، أو ابتكار ما بعد التقنية.
 
ستراتيجية المواجهة
تظهر الاحصائيات المحلية بانشغال مستخدمي الاوعية الرقمية في العراق تصاعداً واهتماماً، ينبه بإمكانية تلك الأوعية في التأثير والتوعية، بالاتجاهين السلبي والإيجابي، الأمر الذي ينوه بفرصها الكبيرة في توجيه السلوكيات الفردية والمجتمعية بالاتجاه المرغوب فيه، بينما لو تم ضبط منظومات صناعة المحتويات الرقميَّة، ومنه ما يرتبط بثقافة ترشيد الاستهلاك.
ومن هنا، يعود التنبيه بدور الستراتيجية، لتنظيم الممارسات العشوائيَّة في المجال الرقمي بالعراق، من قبل الجهات الحكوميَّة والأكاديميَّة والمجتمعيَّة، بموجب قواعد وأسس مهنية وأخلاقية، وباعتماد وسائط التواصل الاجتماعي بالدرجة الأساس، والشكل الرقمي الفديوي، الذي يتطلب مهارات إعلامية وفنية ورقمية، وأشكالاً إعلامية متعددة: من أخبار وتقاير واستطلاعات والفيديوغرافيك، فضلاً عن المشاهد الدرامية القصيرة، على أنْ يجري تأهيل صنّاع المحتوى الرقمي العراقي على ترميز ستراتيجيات الوعي، التي ينبغي أنْ ترافقها مبادرات إقناعية على أرض الواقع.