الدكتورة سلامة الصالحي
تتميز الأسرة العراقية... منذ بداياتها الاولى وحتى عصرنا الحالي.. الذي لاتزال الحالة شائعة وأساسية في تركيبته... وهي التعلق الانساني وقوة العاطفة التي تربط الأم بولدها أو الأسرة ككل بولدها سواء كانت أما وأبا أو أخوة وأخوات.. وتحوز الام الجزء الاكبر من هذا التعلق والتعاطف مع الابن، خصوصا اذا كان ذكرا او ذكورا في أغلب الاحيان... هذا الحب يجعلها تروم دائما أن يكون ولدها قربها أو معها أغلب الاحيان حتى وأن تزوج او ارتبط الا اذا أسهمت الظروف الوظيفية او السياسية بإبعاده او هجرته...
وتعود أسباب هذا التعلق... الكبير... اولا لاسباب طبيعية من خلال كونها أمّاً وترتبط بأبنائها فسلجيا وبايولوجيا ونفسيا وعاطفيا... او ربما سببه الفشل الخفي في علاقتها بزوجها وتحملها لعبء هذا الفشل سنين طويلة من أجل أبنائها وبقاء كيان الأسرة واقفا من دون ان تلجأ الى حل جريء بالطلاق... وتشتيت الأسرة وإخضاع أولادها الى أزمات نفسية واجتماعية... ستحاسب نفسها عليها في المستقبل حتى وأن لم تكن هي السبب المباشر فيها وأنها الضحية الاولى.. فتحملت أغلب الأمهات عربدة وفظاظة تعامل الاب وصمتت كثيرا من أجل أولادها... لا من أجل أي شيء آخر وان كلفها الامر عافيتها وراحتها النفسية، وهذا مارأيناه وسمعناه كثيرا في مجتمعنا الذي يرزح تحت كومة تقاليد وإرث ثقيل قاس ومؤلم تدفع ثمنه أكثر الوقت النساء... افتقاد الأم لحب حقيقي ورعاية إنسانية من زوجها يجعلها تصب هذا الحب الذي تحتاجه هي اكثر من غيرها... على اولادها... منذ ولادتهم وحتى يكبرون ليسروا نظرها ويكونوا هم المعادل الموضوعي لكل الالام والاوجاع التي عانتها وتحملتها.... الاولاد الذكور بالنسبة للام... هم قوتها وسندها امام جبروت الحياة وقسوتها بدءا من الزوج وانتهاءً بكل مايحيطها من ظروف تصلّبت في مواجهتها بالصبر والجلد والامل... فتعامل الولد الذكر بكثير من الاهتمام والرعاية وتفرض هيبته على اخواته... وحتى عليها.. لمواجهة مجتمع لايحترم إلا القوي والذي يفرض قوته وهيبته عليه... وأصعب مايحدث لهذه الامهات هو.. قرار الابن... في الزواج.. والارتباط بأمراة... هنا تعيش الام حالة الصراع الخفي... بين مسرتها بأن ولدها كبر ويريد بناء أسرة وبين خوفها وحرصها أن تأخذه امراة اخرى منها، فينشغل عنها وتصبح ثانوية الوجود في حياته... وعلى المستوى الشخصي سمعت إحدى الامهات وهي تقول إن أتعس يوم في حياتها هو زواج أحد أبنائها... وقد تقرر الام تعطيل زواج الابن الى عمر متقدم... وهذا ماحدث للكثيرين... وهنا لا أعني بالمطلق أبدا... أن هناك عقدة اوديب لدى الابن او الام... إطلاقا... بل أتحدث عن قوة وشدة العاطفة والتباس الانانية وانغماس الأم بها قد يجعلها رافضة وغير متقبلة لهذا الكائن الانثوي المقبل لحياتها المستقرة مع ولدها.... لان الفراغ الذي يمكن أن يحدث قد يعيدها الى مربع الفقدان العاطفي الذي عاشت به مع زوجها، فعوضها الابناء الحب والاحترام الذي افتقدته... وها هي الان تواجه العودة له بمجيء امرأة تسرق ولدها منها... الذي جاء غضا طريا بأمل يكبر كل يوم حتى بات فارعا وضخما يرتاد قاعات بناء الاجسام... ربما سوف لن تراه كل صباح ومساء سينشغل بحبه الجديد... وحياته الجديدة... فتدخل في طور الخوف والاكتئاب... فتحرص أغلب الامهات أن يسكن ابنها وزوجته معها... ولهذا الامر إيجابياته وسلبياته... فقد تصبح حياة الام هي دخول وخروج وحركة الكنة ومايحدث من انطباعات قد تكون سلبية او إيجابية... كثير من الامهات تنظر لهذه الكنة كابنة لها والبعض الاخر تنظر لها دخيلة استولت على ابنها. فتعاملها بكثير من القسوة تصل درجة الاذلال والعبودية.. وبالمقابل تنظر بعض الكنات لهذه الحماة كأم ثانية، وبعضهن ينظرن لها كمشارك غير مرغوب به في الحياة التي حلمت بها، وعلى أساس هذه المشاعر السلبية او الايجابية... تكون الايام... إما سعيدة وصافية أو حزينة كئيبة ومملة... الأسر الميسورة تجعل من أحد أجنحة البيت المستقلة سكنا لابنائها، فينخفض منسوب المشاكل وتسير الامور جيدة وتعيش الكنة مستقلة وبعيدة عن سلطة الحماة
وتحكمها... ويبقى الابن قريبا على الأهل ويرعى بعضهم البعض... وبهذا يكون الاهل قد أسهموا بدعم الابن في بداية حياته... من أعباء الايجار وتأمين الحماية للأسرة الحديثة، ويكون الاحفاد قريبين من الاجداد والعمام والعمات ويحظون بالرعاية في حالة غياب الاب والام في العمل والوظيفة التي لو كان في بيت مستقل لتحمل مصاريف وأعباء جديدة من إيجار منزل وحضانة وروضة... ولايمكن مقارنة رعاية الأهل برعاية الأغراب وحرصهم.... أما المشكلة الكبرى التي يجب أن نضع لها الحلول وتتدخل فيها مؤسسات المجتمع المدني والدولة التي يجب أن يكون ضمن وزاراتها وزارة للأسرة تتبنى ترتيب هذه الامور ورعايتها وهي الزواج والسكن كأسر متعددة في المجتمعات الفقيرة أو المتوسطة
الحال... والتي تجعل من المنازل فوضى ولاتليق بحياة حرة كريمة تجعل من الزوج والزوجة وأكثر من أربعة أبناء في غرفة واحدة... فقد يتجاوز عدد سكان البيت الثلاثين نفرا... من دون أن يحظوا بحياة مستقرة وهادئة وحقيقية... فيحدث الصراع بين الكنات والعمات والاطفال والاخوة... وتدفع الثمن من عافيتها وراحتها الام الكبيرة التي تتحمل عبء هذه الاعداد المتزايدة... في توفير اللقمة والاجواء المناسبة للدراسة او النشأة الملائمة... فتتحول البيوت الى نزل تعيش كل أسرة بمفردها من دون أن تكون هناك حالة من الاستقرار والتمتع بالحياة، ومن هنا تتصدر للمجتمع مشكلات كثيرة... من انحرافات او رغبة في التخلص من هذه الحياة الصعبة.. بالسرقة أو الاستيلاء على حقوق الغير... المهم أن الفقر والعشوائية في التعامل معه وزيادة الانجاب... ستكثر من الأزمات التي تتصدر للمجتمع وتبتلي بها الدولة... لذلك لا بد من وضع قوانين جديدة وأسس ملائمة للعصر... تفرض على المتزوجين
حديثا.. وأن توفر الدولة تسهيلات للسكن. المدعوم... والعمودي.. وتحديد النسل... بطفل واحد او اثنين... لان الزيادة التي يعاني منها العراق بالسكان وهذا التوسع الافقي للمساكن وتخريب جماليات المدن... يجعل من المستقبل ضبابيا ومجهولا ومخيفا... يجب بناء الأسرة العراقية بناء صحيحا ومخططا له.. وان لانترك الناس تتصرف بعشوائية
وغفلة... لزمن مقبل أراه صعبا أن لم نضع الحلول.. الصحيحة... ونخطط... لهذا المستقبل والاجيال المقبلة فهي أمانة في الاعناق... من دون أن نترك الناس تنجب وتتناسل وتتركهم يتسولون في الشوارع.. يجب اللحاق بركب الحضارة والمجتمعات المتحضرة... اللهم إني قد بلغت... وذكر إن نفعت الذكرى...
يتبع...