د. كريم شغيدل
قضية فلسطين، شئنا أم أبينا، شكلت منذ أربعينيات القرن المنصرم المحور الأساس للذاكرة الثقافية العربية، ومحور العمل السياسي والفكري والأيديولوجي لمختلف الأحزاب والنزعات والاتجاهات، ما لم نقل إنها العامل المشترك بين مختلف الأطراف المتناقضة، فالكل يدعي وصلاً بليلى- كما يقال- سواء كان ذلك عن عقيدة أم لغرض المتاجرة السياسية، وبغض النظر عن الشعارات الرنانة، ومواقف بعض القوى الفلسطينية المتطرفة من عملية التغيير في العراق، فإننا نشعر بالانتماء للحق الفلسطيني، وهو حق إنساني لا يمكن لكائن من يكون إنكاره.
إسرائيل لم ولن تعترف بكل ما أصدره مجلس الأمن ومنظمة الأمم المتحدة من قرارات لصالح الحق الفلسطيني، منذ الاحتلال في أربعينيات القرن المنصرم حتى اتفاق أوسلو، بل إن عمليات مصادرة الأراضي وتهميش الفلسطينيين العرب في اتساع مستمر، ومع ذلك لم يتم ردعها دولياً، الأمر الذي أسهم بإضعاف القوى الفلسطينية، وأطلق العنان لإسرائيل في التمادي، وبدلاً من ممارسة الضغط العربي في المحافل الدولية، هناك تسابق عربي من أجل التطبيع، وفي الجانب الدولي تمادت الإدارة الأميركية في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب عراب صفقة القرن ونقل السفارة الأميركية إلى القدس، ضاربة بعرض الحائط جميع قرارات مجلس الأمن، لا سيما تلك التي صدرت إبان نكسة حزيران 1967م التي احتلت خلالها القدس من قبل الصهاينة، وها هم اليوم يحاولون إفراغها من المسلمين، وفيها المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الأماكن المقدسة عند عامة
المسلمين.
ترى هل سيعود التعايش الهش كما كان عليه قبل هذه الأحداث؟ لا أعتقد بذلك، لا سيما أن الأزمة ضغطت بشدة على الجرح الفلسطيني، وعلى خلفية ما يسمى بقانون الدولة القومية الذي مرره نتنياهو وصوت عليه الكنيست في تموز 2018م ونص على أن الإسرائيليين فقط هم من يقررون المصير، فإن تهميش الفلسطينيين من جهة وتصاعد وتيرة المد القومي اليهودي من جهة ثانية سيكونان عامل صراع إضافي على الهوية، يعمق التفرقة ويشحذ سكاكين التطرف والعنف ويهدم ما تبقى من عوامل التعايش، فإلى أين تريد إسرائيل الوصول بهذه السياسات؟ وما موقف الدول الراعية لها والمطبعة معها مما
يحدث؟