اسمي.. جيلو

آراء 2021/05/19
...

 رفيف الشيخلي
 
اسمي جيلو... عبارة يرددها بطل النص المونودرامي «باي بايجيلو» للكاتب والشاعر المغربي المقيم في بلجيكا طه عدنان. 
جيلو هو تحوير لاسم «الجيلالي» اسم مغاربي معرف بـ ال التعريف... اسم له هوية محددة... ولذلك اختار البطل أن يغيره إلى جيلو... فجيلو لا معنى واضحا له... لا هوية تقييد انتماء فيه... هو كما يقول في النص: «جيلو... اسم سهل النطق... رشيق ومرن... لا يعني شيئا ولا يحيل على شيء. بهذا الاسم يمكنك فتح حوار ديموقراطي وسلس مع العالم، عندما أُسأل عن أصل هذا الاسم أختلق الجنسية المناسبة حسب أصل السائل وفصله. مرة أكون إيطاليا أبا عن جد. بدليل المخرج جيلوبونتيكورفو الله يرحمه ويحسن إليه كما أحسن إليّ أكثر من مرة من حيث لا يحتسب. بلكنة إيطالية (تشاو جيلو)... تشاو تشاو... ومرة يوناني من أم لبنانية. مرة إسباني من أصل مغربي... (بلكنة إسبانية) هولا جيلو... وأحيانا مغربي من أصول إسبانية... أقصد أندلسية. هذه نادرا ما أستخدمها رغم أنها الأكثر إقناعا على ما يبدو. وأكثر ما يزعجني هو أن أضطر للإفصاح عن اسمي الصريح: «ال... جي... لا... لي» اسم معرف بأل يبدو عربيا لا غبار عليه. اسم يتضمن هوية بكل تأزماتها.
آه... اكتشفت مؤخرا وجود مستوطنة محاذية لمدينة بيت جالا القريبة من القدس اسمها «جيلو»، وأيضا قرية تدعى «وادي جيلو» في جنوب لبنان... يعني أشياء تضفي على اسم جيلو طابعا إشكاليا وتمكنني من اختلاق أصول وقصص ميلودرامية عندما  يقتضي الأمر ذلك. ليس كالجيلالي، اسم معرف وواضح كالفضيحة».
وجيلو حور اسمه ليس فقط لأنه يحيل إلى انتماء معين. ولا بسبب رفاقه الذين كانوا يسخرون من اسمه الحقيقي القديم والذي غالبا ما يعطى في المسلسلات والأفلام لمن هم من فئة دنيا... لكنه فعل لأنه يريد أن يتحرر من أمور لم يخترها... من منا اختار انتماءه أو اسمه؟ 
ألهذا كان يتمنى لو أنه يملك القدرة على الطيران؟ للإحساس ببعض الحرية؟...
جيلو مغربي... مهاجر سري إلى أوروبا... هاجر بعد إحساس بعدم الاحتواء والاحتضان من الناس ومن أهله خصوصا... هاجر بحثا عن حياة أفضل... لكنه سيعاني هناك الشعور بالعزلة والوحدة والإقصاء... حتى من عمه الذي سيستغله... وأبناء عمه الذين يسخرون من غربته... اللغوية واختلاف تصرفاته... وهذا ما سيجعله يترك بيت عمه ليتشرد في الأزقة... يقول: «عندما صفقت باب منزلهم البائس، تذوقت طعم الحرية لأول مرة. صلت. جلت. صعت. تشردت. تصعلكت. (...) عشت حياتي المؤقتة كحرب مفتوحة... كهدية طويلة في انتظار لحظة الحسم».
وكأنه بتشرده يحاول العيش بحرية... العيش من دون أي تقييد لحريات الانتماء والأفكار والأحاسيس... 
فأن تعيش من دون وجود احد يحبك... أو يمكنك أن تحبه... يشبه أن تحيى بتشرد... بعدم الإحساس بالانتماء والأمان... ولهذا نجده يتحدث عن صديقته «ليزبيث» بهذا الشكل: «ليزبيت هي الشيء الوحيد الثابت في وجودي المتقلب. معها دخلت الحياة من بابها الواسع (...) هي بطاقة انخراطي في الحياة بكامل أنسها. بطاقة حية تمشي على رجلين».
أليس الحب يشبه أن تمسك يد طفل صغير لتساعده على عبور الحياة؟. إلا أن كل محاولات جيلو لإيجاد حضن يأويه باءت بالفشل... حتى محاولته تقمص صفة لاجئ عراقي بسبب قبول الأسباب في الدنمارك. سرعان ما تم كشفها وطرده. فاضطر للذهاب إلى بلجيكا وهو يردد «مرينا بيكم حمد واحنا بقطار الليل. وسامعنا دك كهوة وشمينا ريحة هيل». وفي بلجيكا ستكتشف السلطات عدم توفره على أوراق إقامة فتقوم بتسفيره بالقوة إلى المغرب. وهو الأمر الذي سيودي بحياته بعد أن تم خنقه في الطائرة بواسطة مخدة لتقييد حريته وصراخه.
والكاتب طه عدنان هنا يعبر عن رفضه لهذا الأسلوب في التعامل. والذي أودى بحياة آخرين.
وتجدر الإشارة الى أن للكاتب عدة نصوص وكتب تتحدث عن الاندماج والغربة... منها «هذه ليست حقيبة» الذي يحتوي على نصوص من كتاب من العراق وسوريا ومصر والسودان والمغرب. وكتاب «بروكسيل المغربية» وله نص مونودرامي ثان بعنوان «دنيا» نشر بصيغته الفرنسية. وأيضا دواوين شعرية، منها: «ولي فيها عناكب أخرى» و»أكره الحب» و»بسمتك أحلى من العلم
 الوطني».