بركات الحوار

آراء 2021/05/23
...

  نبراس الطالقاني
في خضم هذه الحياة وتنوع ما يطرح من من افكار بعضها نختلف معه، نحتاج لإذنٍ مصغيةٍ وحوارٍ جادٍ. حتى لا تتشكل كتل صخرية من الكتمان والعزلة تفصل بين الاراء فتتركها من دون تفاعل. 
ولكي لا نعيش الغربة والاغتراب في ما يسكن عقولنا نحتاج إلى يدٍ تمسك حروفنا الهاربة خوفاً من البوح.
حتى لا تهوي الكلمات بوديان الاتهامات الباطلة، علينا بالحوار، ولا يتحقق ذلك إلا بوجود هذه الأذن الجامعة لخليط الأفكار المتفاعلة بعيدا عن العزلة او الصمت، فتتحول الى مكبوتات ثقافية وفكرية قد تكون ذات آثار مدمرة للفرد والمجتمع. 
بالحوار الجيد نشعل فوانيس الإبداع المدفونة في ركام النفس، ونفتح نوافذ التفاعل الثقافي والاجتماعي، لكي ننصت لفكرةٍ، هذا يعني: أننا نسقي برعماً وليداً، ما زال يتلفت يميناً وشمالاً باحثاً عن تربة صالحة ليغرس فيها، كي تنبت الفكرة فتينع ثمارها، لتطعم منها النفوس والعقول والارواح.
نفوس البشر وعقولهم ذات مشارب متنوعة مختلفة ألوانها، حتى نرمم المفاهيم الهشة، نصلح المنخور منها، علينا تحديد كيفية الحوار الجيد. أساليب الحوار الجيدة الليّنة هي الأساس لتمحي طغيان النفس الجبارة، وتهدم السيئ من الأفكار، كما أشار لها القرآن الكريم (اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ• فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ )[طه، ٤٣،٤٤].
فالقصص الحوارية هذه تشير إلى تحقيق المراد من الأهداف المرجوة لتطفح بألوانٍ حسب عقول البشر ومراعياً مقتضى حال المخاطب.
بعض الأفكار الطارئة في فضاء المخيلة، تحتاج لمن يبسط جناحها، لا أن نُحلق معها، ولا تحتاج لإرهاق النفس، كل ما على المحاور أن يرمي بشباكه في بحر الأفكار برفق ولين، ليصطاد السمين منها والنافع، لفائدة يرجوها، ولا تصبح مستساغة إلا بعد أن تتحقق أهداف الحوار وإن يكون على جانب الآخر إذن ذات إنصات جيد، عملية الحوار والإنصات لها أبعاد دينية، نفسية، اجتماعية.
فالحوار في الحقل الديني: خير ما وجد هو في القرآن الكريم مشار لذلك قوله تعالى ((اسمعوا، انصتوا))، وكما قيل اسمع كثيرًا وتكلم قليلاً، ولا تكن كـالثرثار المهذار، يصم أذنه عن سماع الآخر.
من الأخلاقيات السامية أن نغضض بصوتنا عند المحاورة ونذلل وطأة الكلمات الشديدة، ونبسطها مراعاة لمقتضى الحال، فنرى خيوط الرحمة والمودة يشع نورها بينك وبين المخاطب، يخرج الكلام من القلب ليذهب في أحضان الروح بكل هدوء وسكينة، مستعينا بقوة البيان والحجج، من دون مزاحمة للأفكار في ذهن المحاور، الذي يجب ان يتحلى بضبط النفس كي يتعايش مع الأحداث، بعيداً عن إعلان الخصومة، وكأنه في حرب.
 وفي الجانب النفسي فإن الحوار ترويض للنفس، وتحقيق النماء الروحي، وتغذية للأفكار التي يحتاجها العقل، وإقناع الذات للتحرر من عبودية الكبت، وفك قيود الخوف والقلق الذي يرهق النفس، لتخرج من سجن الصراعات القائمة داخل خباياها، إعلان صلح بين المشاعر العدائية،وبين النزيةَ 
منها.
بالحوار نصل الى الوسطية بعيدا عن التطرف نتخلص من رذائل الاعتداد بالذات والتفاعل مع الافكار من دون احكام 
مسبقة.