د. فاضل حسين البدراني
صناعة الكراهية، واحدة من أبرز المهارات والقدرات التي نشطت بها الدوائر السياسية والمنابر الإعلامية الإسرائيلية، في مهمة التمويه على جرائمها ضد فلسطين وشعبها، وإشغال العرب بورطة التخوين، بالاستناد الى ثلاثة مستويات من أسلحة الحرب التقليدية والإعلامية الرقمية والنفسية.اسرائيل عندما خاضت الحرب الأخيرة مع فلسطين في مايس 2021، اتخذت سلوكا وحشيا جديدا من حيث القسوة والافراط بالقصف الصاروخي والطيران، والدعاية النفسية التي اتخذت أوجها متعددة، وفي إطار الشق الأخير، فقد سخرت منصات الإعلام الرقمي في خدمة المعركة
ووظفت له جهود كثير من النشطاء المتصهينين وانتشارهم على منصات التواصل الاجتماعي، بإشراف خبراء صناعة الدعاية والخبث وتلوين المشهد وتلغيمه، وتزييف الحقائق واختلاق روايات مزيفة غير متوقعة، فهل انتبه العرب على خطورة الأساليب الدعائية، والفكرية المصنعة في دوائر التخطيط الإسرائيلي ضدهم؟
بطبيعة الحال صنفت حرب مايس 2021 على أنها اتخذت ثلاثة مسارات من الأساليب العدائية، يتجسد المسار الأول منها بما ينتج من قتل وتخويف وهلع للأطفال والمدنيين عند استخدام آلة الحرب التقليدية بسلوك إجرامي صهيوني، والعالم يتفرج على قصف صواريخ الدبابات والطائرات وعبثية الجرافات ضد أهدافها البشرية والعمرانية.
وأما المسار الثاني فيتجسد بحرب الميديا التي أخذت تتابع وتنقل عبر تغطيات مستمرة لأجهزتها الإعلامية التقليدية تفاصيل وأحداث الحرب الدائرة ضد الفلسطينيين العزل، والتباهي بممارسة جرائم الحرب بوحشية بلا ضمير، بينما أتبعت المسار الثالث الجديد، وهو الأخطر بتوظيف السوشال ميديا، إذ نشطت إسرائيل بحرب ناعمة غير مكشوفة، ياستخدام أساليب دعائية رقمية ذات ابعاد فكرية ضد الطرف العربي، وقد نجحت في بعض الحالات في تشظي موقفه من الحدث من دون أن تكشف عن نفسها على أنها هي الفاعل، وخلقت في صفوفهم الجدل والاحتدام بالرأي والرأي المضاد له، وإسرائيل بهذه الخطورة اختفت خلف رواية مزيفة لا علاقة للعرب فيها، تقوم على انتاج محتوى سمي بـ«أصحاب المواقف العروبية، يهاجمون أصحاب التخاذل والتطبيع» على وفق الرواية، وبهذه الصيغة حاولت أن تشتت الموقف العربي من القضية
الفلسطينية.
ويسجل لحرب مايس 2021 انها لأول مرة تمنح إسرائيل فرصة توظيف منصات الاعلام الرقمي «السوشال ميديا» وممارسة حرب الكراهية والتخوين والتراشق بالاتهامات بين مختلف الأطراف العربية، عبر آلية انشاء صفحات وحسابات وهمية، تناولت منشورات وتغريدات انتجتها «غرف الإعلام الرقمية التابعة للجيش الإسرائيلي» وجعلت النقاش يحتدم بين العرب كل يخون الآخر مع إسرائيل، واستهدفت هذه الكتابات رموزا فكرية نخبوية ورسمية مؤثرة، من قادة دول أو مشاهير من أصحاب الدعوة الدينية الذين لديهم اتباع، او الفن أو الرياضة أو الفكر، وعلى سبيل المثال اختلاق رواية إسرائيلية بمشاركة الطيارة الإماراتية مريم المنصوري في ضرب غزة، وبالمجمل يختلقون فبركات على أن كل هؤلاء النخب يصطفون مع إسرائيل ضد فلسطين، وبالمقابل ينتجون ردود فعل سلبية تهاجم الطرف الأول، ذلك كله يمثل محتوى فكريا مصنعا في دوائر الدعاية والشائعات الإسرائيلية، غايته كما ذكرنا تشتيت الموقف العربي حيال فلسطين المحتلة، ومحاولة انتاج الكراهية بما يضمن كسب ود أطراف عربية، للوقوف بجانب إسرائيل كنتاج للحراك الفكري الذي نجح في تشويه طبيعة الموقف العربي شعبيا ورسميا، ضد جرائم الإسرائيليين التي تمارس ضد
الفلسطينيين.
وبالرغم من كل ما جرى فان شعب فلسطين سواء في عرب 48 أو غزة والقدس ورام الله والضفة الغربية والشيخ جراح، نجحوا في فرض قوة العقيدة التي يقاتل بها شبابهم، كما نجحوا في التوظيف للسوشال ميديا وتوثيق بطولاتهم عندما يستولون على الدبابات الإسرائيلية، ويطردون جنودا إسرائيليين، أو عندما يتمسكون بهويتهم وينصبون علم فلسطين على الاليات العسكرية الإسرائيلية، وهي تتجول بالشوارع أو عندما يصفعون الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، وهو يتقيأ بروايات وأكاذيب صهيونية، والى جانب هذا كله توثيق حجم الدمار والرعب لسكان المستوطنات الإسرائيلية من جراء القصف الصاروخي من قطاع غزة، أمام كل هذه المغيرات على العرب ألا يكونوا ضحية الفتن الإسرائيلية، وعلى مؤسساتهم الإعلامية والفكرية أن تحلل لما يصنعه عدوهم بغية
تمزيقهم.
كاتب وأكاديمي عراقي