الأنتربول منظمة سياسية أم معاون للعدالة والقانون؟

آراء 2021/05/24
...

 زهير كاظم عبود
 رفعت الشرطة الجنائية الدولية (الإنتربول) اسم طارق الهاشمي نائب الرئيس العراقي السابق نهائيا من قائمتها الحمراء للمطلوبين بالاعتقال. وقالت لجنة الرقابة بالشرطة الجنائية الدولية إنها تأكدت من أن المعلومات التي قدمتها السلطات العراقية للقبض على الهاشمي، أظهرت شكوكا قوية في صحتها، ما دفعها إلى رفع اسم الهاشمي وتلك المعلومات نهائيا من ملفاتها. 
 
ويفترض كما تنص المهام المذكورة في لائحة الأهداف أن يسعى الإنتربول لضمان حصول أجهزة الشرطة في أرجاء العالم كافة على الأدوات والخدمات اللازمة لها لتأدية مهامها بفعالية. 
ويوفر تدريبا محدد الأهداف ودعما متخصصا لعمليات التحقيق، ويضع بتصرف الأجهزة المعنية بيانات مفيدة وقنوات اتصال مأمونة.
وهذه المجموعة المتنوعة من الأدوات والخدمات تساعد عناصر الشرطة في الميدان على إدراك توجهات الإجرام على نحو أفضل، وتحليل المعلومات، وتنفيذ العمليات، وفي نهاية المطاف توقيف أكبر عدد ممكن من المجرمين، كما يهدف الإنتربول إلى تسهيل التعاون الدولي بين أجهزة الشرطة حتى في غياب العلاقات الدبلوماسية بين بلدان محددة. ويجري التعاون في إطار القوانين القائمة في مختلف البلدان وبروح الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ويحظر قانون المنظمة الأساسي أي تحرك أو نشاط ذي طابع سياسي أو عسكري أو ديني أو عنصري.
 ومن أهم الجرائم التي تعمل منظمة الإنتربول على مكافحتها ملاحقة المنظمات الإجرامية والمـخدرات والإجرام المالي المرتبط بالتكنولوجيا المتقدمة والإخلال بالأمن العام والإرهاب والاتجار بالبشر وملاحقة الفــارين من وجه العدالة. 
إن لائحة حقوق الإنسان والقانون العراقي تنصان على أن المتهم بريء حتى تثبت أدانته قانونا وبمحاكمة علنية تتوفر فيها الضمانات الضرورية، وكانت المحاكم العراقية قد أصدرت بنتيجة التحقيقات التي جرت مع مجموعة من المجرمين، الذين سجلوا أقوالهم وشهاداتهم بكل حرية وبحضور منظمات عديدة للمجتمع المدني والصحافة وبعض الشخصيات الإعلامية، وبحضور المحامين أمامهم في دور التحقيق الابتدائي والقضائي،  والقيام بإجراء كشف الدلالة لإثبات صحة الفعل الجرمي المرتكب  وتعزيزا للاعتراف، واعتبرت  المحكمة المتهمين الذين اعترفوا شهودا ضد المتهم طارق الهاشمي باعتباره شريكا ومحرضا على ارتكاب جرائم إرهابية، تداخلت فيها معاني الاشتراك الفعلي والاتفاق الجنائي والظروف المشددة. 
وغاب عن المنظمة أن أي محكمة لا يمكن أن تستند في القضية المعروضة أمامها الى دلائل لا تطرح للمناقشة، بل الى قرائن  وأدلة ملموسة تقتنع بها عند إصدار الأحكام، ولهذا تم تفريق قضايا المتهم طارق الهاشمي عن تلك القضايا، التي صدرت بها الأحكام وتم تدقيق تلك الأحكام ليس من هيئة جزائية واحدة، بل من مجموع قضاة محكمة التمييز، حيث إن الأحكام التي جرت وفقا للقانون العراقي بحضور الادعاء العام في جميع المراحل، وان تلك الأحكام إضافة الى حق المتهم في الطعن بها أمام محكمة التمييز الاتحادية ، فإنها وفقا للفقرة ( آ ) من المادة (254 ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 المعدل، ترسل تلك القضايا الخاصة بالمتهمين الحاضرين وجوبيا إلى محكمة التمييز، وتحتفظ باضبارة الأحكام الغيابية الصادرة الى حين تسليم المحكوم عليه نفسه او القبض عليه. حيث يحق للمتهم الاعتراض على الحكم الغيابي وطلب إعادة محاكمته مجددا، وللمحكمة أن تصدر عليه أي حكم يجيزه القانون، ويكون قرارها تابعا للطعن فيه بالطرق القانونية الأخرى.
إن المنظمة الدولية غاب عنها جميع تفاصيل، القضايا التي عرضت أمام القضاء العراقي بخصوص المتهم الهارب طارق الهاشمي، والتبست عليها الأمور لتصل إلى حد الشك بدلائل وقرائن وسندات تضمنتها الملفات، إضافة إلى ضحايا ومجنى عليهم كانوا قد تم قتلهم بطرق إرهابية ووحشية ودون أي ذنب أو دوافع، وهذا الشك لا يمكن تبرير دوافعه أو أسبابه سوى سيطرة المصالح السياسية في المنظمة على جميع مفاهيم العدالة واحترام القانون.
إن هروب المتهم طارق الهاشمي قرينة على اشتراكه بتلك الجرائم، إضافة الى افتضاح دوره في الاتصال بتنظيمات إرهابية لم يخف انسجامه وتناغمه معها أكثر من مرة، إضافة الى تلك القرائن والوقائع التي تضمنتها ملفات الجرائم، والتي أرسلت صورة منها مع صورة الأحكام الى منظمة الأنتربول التي يفترض ان تساعد العدالة وتساهم في تطبيق واحترام القانون بالسعي للقبض على المتهم، وان تعيد محاكمته بشفافية وبحضور ممثلين عن حقوق الإنسان والمنظمات الدولية، 
بدلا عن غلق الملفات ورفع اسم المتهم لتنتصر للجريمة والفاعلين. 
إن زعم المنظمة بأنها تأكدت من أن المعلومات التي قدمها الملف تثير شكوكا لديها، لا يستند الى معرفة وقيمة قانونية، فالأحكام القضائية لا تعتمد على معيار الشك لدى الجهات التنفيذية، كما أن إعادة محاكمة المتهم الهارب مهما كانت وظيفته أو منزلته الاجتماعية يزيد من ثقة المجتمع بسيادة القانون واحترام المنظمات الدولية للحقوق والعدالة.
وحتى لا يكون المعيار المعتمد لدى المنظمة هو عدم قدرة المراكز التابعة لها على نقل الوقائع والحقائق، فان اعتمادها على الملفات والتدقيق من قبل قضاة متمرسين وخبراء سيؤكد لها بأن جميع الشكوك التي تتمكن السياسة من الهيمنة على عقليتها لا قيمة لها إزاء ما تستند اليه الأحكام القضائية الرصينة، والتي لا تعتمد على السياسة ورغبات السلطة مطلقا في إطلاق أحكامها.
رفع اسم المتهم الهارب طارق الهاشمي من سجلات الملاحقة القضائية للانتربول يشكل صفعة للعدالة وموقفا بائسا تنتصر فيه العلاقات السياسية والمصالح الشخصية على سيادة القانون والعدالة ومساهمة أخرى لقتل الضحايا واستفزازا خطيرا للمتضررين من الجرائم ولأهداف المنظمة الدولية .